وقرأ حمزة والكسائي وخلف (بَلْ عَجِبْتَ) بضم التاء للمتكلم فيجوز أن يكون المراد : أن الله أسند العجب إلى نفسه. ويعرف أنه ليس المراد حقيقة العجب المستلزمة الروعة والمفاجأة بأمر غير مترقب بل المراد التعجيب أو الكناية عن لازمه ، وهو استعظام الأمر المتعجب منه. وليس لهذا الاستعمال نظير في القرآن ولكنه تكرر في كلام النبوءة منه قولهصلىاللهعليهوسلم : «إن الله ليعجب من رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» رواه النسائي بهذا اللفظ. يعني ثم يسلم القاتل الذي كان كافرا فيقاتل فيستشهد في سبيل الله.
وقوله في حديث الأنصاري وزوجه إذ أضافا رجلا فأطعماه عشاءهما وتركا صبيانهما «عجب الله من فعالكما».
ونزل فيه (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ)(١) [الحشر : ٩]. وقوله : «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» (٢). وإنما عدل عن الصريح وهو الاستعظام لأن الكناية أبلغ من التصريح ، والصارف عن معنى اللفظ الصريح في قوله : (عَجِبْتَ) ما هو معلوم من مخالفته تعالى للحوادث. ويجوز أن يكون أطلق (عَجِبْتَ) على معنى المجازاة على عجبهم لأن قوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) [الصافات : ١١] دلّ على أنهم عجبوا من إعادة الخلق فتوعدهم الله بعقاب على عجبهم. وأطلق على ذلك العقاب فعل (عَجِبْتَ) كما أطلق على عقاب مكرهم المكر في قوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [آل عمران : ٥٤].
والواو في (وَيَسْخَرُونَ) واو الحال ، والجملة في موضع الحال من ضمير (عَجِبْتَ) أي كان أمرهم عجبا في حال استسخارهم بك في استفتائهم. وجيء بالمضارع في (يَسْخَرُونَ) لإفادة تجدد السخرية ، وأنهم لا يرعوون عنها.
والسخرية : الاستهزاء ، وتقدمت في قوله تعالى : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) في سورة الأنعام [١٠].
والتذكير بأن يذكروا ما يغفلون عنه من قدرة الله تعالى عليهم ، ومن تنظير حالهم بحال الأمم التي استأصلها الله تعالى فلا يتعظوا بذلك عنادا فأطلق (لا يَذْكُرُونَ) على أثر
__________________
(١) رواه البخاري في «مناقب الأنصار» وفيه قصة.
(٢) رواه البخاري في الجهاد.