الْكافِرِينَ (٧٤))
موقع (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) صالح لأن يكون استئنافا فإذا جعلنا النبأ بمعنى نبأ أهل المحشر الموعود به فيكون (إِذْ قالَ) متعلقا بفعل محذوف تقديره : أذكر ، على أسلوب قوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ* إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [النمل : ٦ ، ٧] ، ونظائره.
فإمّا على جعل النبأ بمعنى نبأ خلق آدم فإن جملة (إِذْ قالَ رَبُّكَ) بدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [ص : ٦٩] بدل بعض من كل لأن مجادلة الملأ الأعلى على كلا التفسيرين المتقدمين غير مقتصرة على قضية قصة إبليس ، فقد روى الترمذي بسنده عن مالك بن يخامر عن النبي صلىاللهعليهوسلم حديثا طويلا في رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنه رأى ربه تعالى فقال له : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أدري. قالها ثلاثا. ثم قال بعد الثالثة بعد أن فتح الله عليه ، قلت : في الكفارات. قال : ما هن؟ قلت مشي الأقدام إلى الحسنات والجلوس في المساجد». وذكر أشياء من الأعمال الصالحة (ولم يذكر اختصامهم في قضية خلق آدم). وقال الترمذي هو حديث حسن صحيح وقال عن البخاري : إنه أصح من غيره مما في معناه ولم يخرجه البخاري في «صحيحه» وليس في الحديث أنه تفسير لهذه الآية ، وإنما جعله الترمذي في كتاب «التفسير» لأن ما ذكر فيه بعض مما يختصم فيه أهل الملأ الأعلى مراد به اختصام خاص هو ما جرى بينهم في قصة خلق آدم والمقاولة بين الله وبين الملائكة لأن قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) يقتضي أنهم قالوا كلاما دل على أنهم أطاعوا الله فيما أمرهم به ، بل ورد في سورة البقرة تفصيل ما جرى من قول الملائكة فهو يبيّن ما أجمل هنا وإن كان متأخرا إذ المقصود من سوق القصة هنا الاتّعاظ بكبر إبليس دون ما نشأ عن ذلك. ويجوز أن يكون (إِذْ قالَ رَبُّكَ) منصوبا بفعل مقدر ، أي اذكر إذ قال ربك للملائكة ، وهو بناء على أن ضمير (هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) [ص : ٦٧] ليس ضمير شأن بل هو عائد إلى ما قبله وأن (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [ص : ٦٩] مراد به خصومة أهل النار. وقصة خلق آدم تقدم ذكرها في سور كثيرة أشبهها بما هنا ما في سورة الحجر ، وأبينها ما في سورة البقرة.
ووقع في سورة الحجر [٣١](إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) وفي هذه السورة (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ) فيكون ما في هذه الآية يبين الباعث على الإباية. ووقعت هنا زيادة (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، وهو بيان لكون المراد في سورة الحجر [٣١] من قوله : (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) الإباية من الكون من الساجدين لله ، أي المنزهي الله عن الظلم والجهل.