غلبت في ذلك ، لأن كون المهديّ راغبا في معرفة الطريق من لوازم فعل الهداية ولذلك تقابل بالضلالة وهي الحيرة في الطريق ، فذكر (فَاهْدُوهُمْ) هنا تهكّم بالمشركين ، كقول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرادة طحونا |
والصراط : الطريق ، أي طريق جهنم.
ومعنى : (وَقِفُوهُمْ) أمر بإيقافهم في ابتداء السير بهم لما أفاده الأمر من الفور بقرينة فاء التعقيب التي عطفته ، أي احبسوهم عن السير قليلا ليسألوا سؤال تأييس وتحقير وتغليظ ، فيقال لهم : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) ، أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا فيدفع عنه الشقاء الذي هو فيه ، وأين تناصركم الذي كنتم تتناصرون في الدنيا وتتألبون على الرسول وعلى المؤمنين.
فالاستفهام في (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) مستعمل في التعجيز مع التنبيه على الخطأ الذي كانوا فيه في الحياة الدنيا.
وجملة (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) مبيّنة لإبهام (مَسْؤُلُونَ) وهو استفهام مستعمل في التعجيب للتذكير بما يسوءهم ، فظهر أن السؤال ليس على حقيقته وإنما أريد به لازمه وهو التعجيب ، والمعنى : أيّ شيء اختص بكم ، ف (ما) الاستفهامية مبتدأ و (لَكُمْ) خبر عنه.
وجملة (لا تَناصَرُونَ) حال من ضمير (لَكُمْ) وهي مناط الاستفهام ، أي أن هذه الحالة تستوجب التعجب من عدم تناصركم. وقرأ الجمهور (لا تَناصَرُونَ) بتخفيف المثناة الفوقية على أنه من حذف إحدى التاءين. وقرأه البزّي عن ابن كثير وأبو جعفر بتشديد المثناة على إدغام إحدى التاءين في الأخرى.
والإضراب المستفاد من (بَلْ) إضراب لإبطال إمكان التناصر بينهم وليس ذلك مما يتوهمه السمع ، فلذلك كان الإضراب تأكيدا لما دل عليه الاستفهام من التعجيز.
والاستسلام : الإسلام القوي ، أي إسلام النفس وترك المدافعة فهو مبالغة في أسلم.
وذكر (الْيَوْمَ) لإظهار النكاية بهم ، أي زال عنهم ما كان لهم من تناصر وتطاول على المسلمين قبل اليوم ، أي في الدنيا إذ كانوا يقولون : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤] وقد قالها أبو جهل يوم بدر ، أي نحن جماعة لا تغلب فكان لذكر اليوم وقع بديع في هذا المقام.