أي تأتوننا صادّينا عن اليمين ، أي عن الخير. فهذا وجه تفسير الآية الذي اعتمده ابن عطية والزمخشري وقد اضطرب كثير في تفسيرها. قال ابن عطية ما خلاصته : اضطرب المتأولون في معنى قولهم : (عَنِ الْيَمِينِ) فعبر عنه ابن زيد وغيره بطريق الجنة ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى ولا تختص بنفس اللفظة ، وبعضهم أيضا نحا في تفسيره إلى ما يخص اللفظة فتحصل من ذلك معان منها : أن يريد باليمين القوة والشدة (قلت وهو عن ابن عباس والفرّاء) فكأنهم قالوا إنكم كنتم تغروننا بقوة منكم ، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا : تأتوننا من الجهة التي يحسنها تمويهكم وإغواؤكم وتظهرون فيها أنها جهة الرشد (وهو عن الزجاج والجبّائي) ومما تحتمله الآية أن يريدوا : إنكم كنتم تأتوننا ، أي تقطعون بنا عن أخبار الخير واليمن ، فعبروا عنها باليمين ، ومن المعاني أن يريدوا : أنكم تجيئون من جهة الشهوات وعدم النظر لأن جهة يمين الإنسان فيها كبده وجهة شماله فيها قلبه وأن نظر الإنسان في قلبه وقيل : تحلفون لنا ا. ه.
وجواب الزعماء بقولهم : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) إضراب إبطال لزعم الأتباع أنهم الذين صدّوهم عن طريق الخير أي بل هم لم يكونوا ممن يقبل الإيمان لأن تسليط النفي على فعل الكون دون أن يقال : بل لم تؤمنوا ، مشعر بأن الإيمان لم يكن من شأنهم ، أي بل كنتم أنتم الآبين قبول الإيمان. و (ما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي من قهر وغلبة حتى نكرهكم على رفض الإيمان ، ولذلك أكدوا هذا المعنى بقولهم : (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) ، أي كان الطغيان وهو التكبر عن قبول دعوة رجل منكم شأنكم وسجيتكم ، فلذلك أقحموا لفظ (قَوْماً) بين «كان» وخبرها لأن استحضارهم بعنوان القومية في الطغيان يؤذن بأن الطغيان من مقومات قوميتهم كما قدمنا عند قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
وفرّعوا على كلامهم اعترافهم بأنهم جميعا استحقّوا العذاب فقولهم : (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) ، تفريع الاعتراض ، أي كان أمر ربنا بإذاقتنا عذاب جهنم حقّا. وفعل «حقّ» بمعنى ثبت.
وجملة (إِنَّا لَذائِقُونَ) بيان ل (قَوْلُ رَبِّنا). وحكي القول بالمعنى على طريقة الالتفات ولو لا الالتفات لقال : إنكم لذائقون أو إنهم لذائقون. ونكتة الالتفات زيادة التنصيص على المعنيّ بذوق العذاب.
وحذف مفعول «ذائقون» لدلالة المقام عليه وهو الأمر بقوله تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى