به المسالك التي سلكها حتى بلغ به مكة وأودع بها أهلا ونسلا ، وأقام بها قبيلة دينها التوحيد ، وبنى لله معبدا ، وجعل نسله حفظة بيت الله ، ولعلّ الله أطلعه على تلك الغاية بالوحي أو سترها عنه حتى وجد نفسه عندها فلذلك أنطقه بأن ذهابه إلى الله نطقا عن علم أو عن توفيق.
وجملة (سَيَهْدِينِ) يجوز أن تكون حالا وهو الأظهر لأنه أراد إعلام قومه بأنه واثق بربه وأنه لا تردد له في مفارقتهم ، ويجوز أن تكون استئنافا ؛ فعلى الأول هي حال من اسم الجلالة ، ولا يمنع من جعل الجملة حالا اقترانها بحرف الاستقبال فإن حرف الاستقبال يدل على أنها حال مقدّرة ، والتقدير : أني ذاهب إلى ربّي مقدّرا ، كما لم يمتنع مجيء الحال معمولا لعامل مستقبل كما في قوله تعالى : (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٦٠] وقوله تعالى : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢] وقول سعد بن ناشب :
سأغسل عني العار بالسيف جالبا |
|
علي قضاء الله ما كان جالبا |
وامتناع اقتران جملة الحال بعلامة الاستقبال في الإثبات أو النفي مذهب بصري ، وهو ناظر إلى غالب أحوال استعمال الحال ، وجوازه مذهب كوفي كما ذكره ابن الأنباري في «الإنصاف» ، والحق في جانب نحاة الكوفة. وقد تلقّف المذهب البصري معظم علماء العربية وتحيّر المحققون منهم في تأييده فلجأوا إلى أن علته استبشاع الجمع بين كون الكلمة حالا وبين اقترانها بعلامة الاستقبال. ونبينه بأن الحال ما سميت حالا إلا لأن المراد منها ثبوت وصف في الحال وهذا ينافي اقترانها بعلامة الاستقبال تنافيا في الجملة. هذا بيان ما وجّه به الرضيّ مذهب البصريين وتبعه التفتازانيّ في مبحث الحال من شرحه المطوّل على «تلخيص المفتاح». وفي مبحث الاستفهام ب (هل) منه. وقد زيف السيد الجرجاني في «حاشية المطوّل» ذلك التوجيه في مبحث الحال تزييفا رشيقا.
ويجوز أن تكون جملة (سَيَهْدِينِ) مستأنفة وبذلك أجاب نحاة البصرة عن تمسك نحاة الكوفة بالآية في جواز اقتران الحال بعلم الاستقبال ، فالاستئناف بياني بيانا لسبب هجرته.
وجملة (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) بقية قوله فإنه بعد أن أخبر أنه مهاجر استشعر قلة أهله وعقم امرأته وثار ذلك الخاطر في نفسه عند إزماع الرحيل لأن الشعور بقلة الأهل عند مفارقة الأوطان يكون أقوى لأن المرء إذا كان بين قومه كان له بعض السلوّ بوجود قرابته وأصدقائه.