كانت البشارة به بمحضر سارة أمّه وقد جعلت هي المبشرة في قوله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ : يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] ، فتلك بشارة كرامة والأولى بشارة استجابة دعائه ، فلما ولد له إسماعيل تحقق أمل إبراهيم أن يكون له وارث من صلبه.
فالبشارة بإسماعيل لما كانت عقب دعاء إبراهيم أن يهب الله له من الصالحين عطفت هنا بفاء التعقيب ، وبشارته بإسحاق ذكرت في هذه السورة معطوفة بالواو عطف القصة على القصة.
والفاء في (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) فصيحة لأنها مفصحة عن مقدر ، تقديره : فولد له ويفع وبلغ السعي فلما بلغ السعي قال يا بنيّ إلخ ، أي بلغ أن يسعى مع أبيه ، أي بلغ سنّ من يمشي مع إبراهيم في شئونه.
فقوله : (مَعَهُ) متعلق بالسعي والضمير المستتر في (بَلَغَ) للغلام ، والضمير المضاف إليه (مَعَهُ) عائد إلى إبراهيم. و (السَّعْيَ) مفعول (بَلَغَ) ولا حجة لمن منع تقدم معمول المصدر عليه ، على أن الظروف يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها من المعمولات.
وكان عمر إسماعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وحينئذ حدّث إبراهيم ابنه بما رآه في المنام ورؤيا الأنبياء وحي وكان أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم الرؤيا الصادقة ولكن الشريعة لم يوح بها إليه إلا في اليقظة مع رؤية جبريل دون رؤيا المنام ، وإنما كانت الرؤيا وحيا له في غير التشريع مثل الكشف على ما يقع وما أعد له وبعض ما يحل بأمته أو بأصحابه ، فقد رأى في المنام أنه يهاجر من مكة إلى أرض ذات نخل فلم يهاجر حتى أذن له في الهجرة كما أخبر بذلك أبا بكر رضياللهعنه ، ورأى بقرا تذبح فكان تأويل رؤياه من استشهد من المسلمين يوم أحد ، ولقد يرجّح قول القائلين من السلف بأن الإسراء برسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقظة وبالجسد على قول القائلين بأنه كان في المنام وبالروح خاصة ، فإن في حديث الإسراء أن الله فرض الصلاة في ليلته والصلاة ثاني أركان الإسلام فهي حقيقة بأن تفرض في أكمل أحوال الوحي للنبيصلىاللهعليهوسلم وهو حال اليقظة فافهم.
وأمر الله إبراهيم بذبح ولده أمر ابتلاء.
وليس المقصود به التشريع إذ لو كان تشريعا لما نسخ قبل العمل به لأن ذلك يفيت