من زمن إبراهيم نظر.
الدليل الثامن : أنه وردت روايات في حكمة تشريع الرمي في الجمرات من عهد الحنيفية أن الشيطان تعرض لإبراهيم ليصدّه عن المضيّ في ذبح ولده وذلك من مناسك الحجّ لأهل مكة ولم تكن لليهود سنّة ذبح معين.
وذكر القرطبي عن ابن عباس : أن الشيطان عرض لإبراهيم عند الجمرات ثلاث مرات فرجمه في كل مرة بحصيات حتى ذهب من عند الجمرة الأخرى. وعنه : أن موضع معالجة الذبح كان عند الجمار وقيل عند الصخرة التي في أصل جبل ثبير بمنى.
الدليل التاسع : أن القرآن صريح في أن الله لمّا بشر إبراهيم بإسحاق قرن تلك البشارة بأنه يولد لإسحاق يعقوب ، قال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)
[هود : ٧١] وكان ذلك بمحضر إبراهيم فلو ابتلاه الله بذبح إسحاق لكان الابتلاء صوريا لأنه واثق بأن إسحاق يعيش حتى يولد له يعقوب لأن الله لا يخلف الميعاد. ولمّا بشره بإسماعيل لم يعده بأنه سيولد له وما ذلك إلا توطئة لابتلائه بذبحه فقد كان إبراهيم يدعو لحياة ابنه إسماعيل. فقد جاء في «سفر التكوين» الإصحاح السابع عشر «وقال إبراهيم لله : ليت إسماعيل يعيش أمامك فقال الله : بل سارة تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحاق وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده». ويظهر أن هذا وقع بعد الابتلاء بذبحه.
الدليل العاشر : أنه لو كان المراد بالغلام الحليم إسحاق لكان قوله تعالى بعد هذا : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) نبيئا (مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١١٢] تكريرا لأن فعل : بشرناه بفلان ، غالب في معنى التبشير بالوجود.
واختلف علماء السلف في تعيين الذبيح فقال جماعة من الصحابة والتابعين : هو إسماعيل وممن قاله أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة وعبد الله بن عمر وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان. وقاله من التابعين سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد وعلقمة والكلبي والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي وأحمد بن حنبل. وقال جماعة : هو إسحاق ونقل عن ابن مسعود والعباس بن عبد المطلب وجابر بن عبد الله وعمر وعلي من الصحابة ، وقاله جمع من التابعين منهم : عطاء وعكرمة والزهري والسّدّي. وفي «جامع العتبية» أنه قول مالك بن أنس.