الأنبياء. والمعنى : فلفظه الحوت وقاءه ، وحمله الموج إلى الشاطئ.
والنبذ : الإلقاء وأسند نبذه إلى الله لأن الله هو الذي سخر الحوت لقذفه من بطنه إلى شاطئ لا شجر فيه. والعراء : الأرض التي لا شجر فيها ولا ما يغطيها.
وكان يونس قد خرج من بطن الحوت سقيما لأن أمعاء الحوت أضرّت بجلده بحركتها حوله فإنه كان قد نزع ثيابه عند ما أريد رميه في البحر ليخف للسباحة ، ولعل الله أصاب الحوت بشبه الإغماء فتعطلت حركة هضمه تعطلا ما فبقي كالخدر لئلا تضر أمعاؤه لحم يونس. وأنبت الله شجرة من يقطين لتظلله وتستره. واليقطين : الدّبّاء وهي كثيرة الورق تتسلق أغصانها في الشيء المرتفع ، فالظاهر أن أغصان اليقطينة تسلقت على جسد يونس فكسته وأضلته. واختير له اليقطين ليمكن له أن يقتات من غلته فيصلح جسده لطفا من ربه به بعد أن أجرى له حادثا لتأديبه ، شأن الرب مع عبيده أن يعقب الشدة باليسر.
وهذا حدث لم يعهد مثيله من الرسل ولأجله قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى» ، يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نفسه إذ لا يحتمل أن يكون أراد أحدا آخر إذ لا يخطر بالبال أن يقوله أحد غير الأنبياء. والمعنى نفي الأخيريّة في وصف النبوءة ، أي لا يظننّ أحد أن فعلة يونس تسلب عنه النبوءة.
فذلك مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تفضّلوا بين الأنبياء» ، أي في أصل النبوءة لا في درجاتها فقد قال الله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [البقرة : ٢٥٣] وقال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ) النبيئين (عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٥٥].
واعلم أن الغرض من ذكر يونس هنا تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم فيما يلقاه من ثقل الرسالة بأن ذلك قد أثقل الرسل من قبله فظهرت مرتبة النبي صلىاللهعليهوسلم في صبره على ذلك وعدم تذمّره ولإعلام جميع الناس بأنه مأمور من الله تعالى بمداومة الدعوة للدين لأن المشركين كانوا يلومونه على إلحاحه عليهم ودعوته إياهم في مختلف الأزمان والأحوال ويقولون : لا تغشنا في مجالسنا فمن جاءك فمنّا فاسمعه ، كما قال عبد الله بن أبيّ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ) رسالاته [المائدة : ٦٧] فلذكر قصة يونس أثر من موعظة التحذير من الوقوع فيما وقع فيه يونس من غضب ربه ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [القلم : ٤٨ ، ٤٩].