ووصفهم بالتسبيح كثير كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) [الشورى : ٥] ، وذكر مقاماتهم في قوله تعالى : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [التكوير : ٢٠ ، ٢١] وقوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)[النجم : ١٣ ، ١٤].
وفي أحاديث كثيرة مثلا حديث الإسراء أن جبريل وجد في كل سماء ملكا يستأذنه جبريل أن يدخل تلك السماء ويسأله الملك : من أنت؟ ومن معك؟ وهل أرسل إليه؟ فإذا قال : نعم ، فتح له. وعن مقاتل أن قوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) إلى (الْمُسَبِّحُونَ) نزل ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عند سدرة المنتهى فتأخّر جبريل فقال له النبي : أهنا تفارقني فقال : لا أستطيع أن أتقدم عن مكاني وأنزل الله حكاية عن قول الملائكة (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) الآيتين.
ويجوز أن يكون هذا مما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله للمشركين عطفا على التفريع الذي في قوله : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) [الصافات : ١٦١] إلى آخره ويتصل الكلام بقوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) [الصافات : ١٤٩] إلى هنا. والمعنى : ما أنتم بفاتنينا فتنة جراءة على ربنا فنقول مثل قولكم : الملائكة بنات الله والجن أصهار الله فما منا إلّا له مقام معلوم لا يتجاوزه وهو مقام المخلوقيّة لله والعبودية له.
والمنفي ب (ما) محذوف دل عليه وصفه بقوله : (مِنَّا). والتقدير : وما أحد منا كما في قول سحيم بن وثيل :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا |
|
متى أضع العمامة تعرفوني |
التقدير : ابن رجل جلا. والخبر هو قوله : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ). والتقدير : ما أحد منا إلا كائن له مقام معلوم.
والمقام : أصله مكان القيام. ولما كان القيام يكون في الغالب لأجل العمل كثر إطلاق المقام على العمل الذي يقوم به المرء كما حكي في قول نوح : (إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي) [يونس : ٧١] أي عملي.
والمعلوم : المعيّن المضبوط ، وأطلق عليه وصف (مَعْلُومٌ) لأن الشيء المعيّن المضبوط لا يشتبه على المتبصر فيه فمن تأمّله علمه. والمعنى : ما من أحد منا معشر المؤمنين إلا له صفة وعمل نحو خالقه لا يستزله عنه شيء ولا تروج عليه فيه الوساوس فلا تطمعوا أن تزلونا عن عبادة ربنا. فالمقام هو صفة العبودية لله بقرينة وقوع هذه الجملة