فيمتنع وضع الاسم العلم له.
إنّما الممكن في حقّه سبحانه أن يذكر بالألفاظ الدالّة على صفاته ، كقولنا : «خالق» و «بارئ» و «محسن» ونحو ذلك.
ثم المقصود من وضع الاسم العلم له هو أن يتميّز ذلك المسمّى عمّا يشاركه في نوعه أو جنسه أو ما كان ، والحقّ منزّه عن أن يكون تحت جنس أو نوع ، أو يشاركه أحد ، فيمتنع وضع اسم علم له.
ثم إنّ الاسم العلم لا يوضع إلّا لما كان معلوما ، والخلق لا يعلمون الحقّ من حيث ذاته ، فكان وضع الاسم العلم له محالا.
وأيضا فالألفاظ إنّما تدلّ على ما تشخّص في الأذهان ، لا على ما في الأعيان ، ولهذا قيل : الألفاظ تدلّ على المعاني ، والمعاني هي التي عناها العاني ، وهي أمور ذهنيّة ، والدليل عليه أنّه إذا رئي جسم من بعيد ، وظنّ أنّه صخرة ، قيل : إنّه صخرة ، فإذا قرب وشوهدت حركته ، قيل : طير ، فإذا قرب جدّا (١) ، قيل : إنسان ، فاختلاف الأسماء لاختلاف التصوّرات الذهنيّة يدلّ على أنّ مدلول الألفاظ هو الصور الذهنيّة ، لا الأعيان الخارجيّة.
وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّ اللفظ لو دلّ على الوجود الخارجي لكان إذا قال إنسان : العالم قديم ، وقال غيره : العالم حادث ، لزم كون العالم قديما حادثا معا. أمّا إذا قلنا : الألفاظ دالّة على المعاني الذهنية ، كان هذان القولان دالّين على حصول هذين الحكمين من هذين الإنسانين بحسب تصوّرهما الذهني ، ولا تناقض في ذلك.
وإذا صحّ أنّ مدلول الألفاظ هو ما في الأذهان ، لا ما في الأعيان ، والذي في الأذهان أمور متشخّصة متقيّدة (٢) متميّزة عن باقي المتشخّصات الذهنيّة ، والحقّ من حيث ذاته معتل عن سائر التشخّصات والتصوّرات الخارجيّة والذهنيّة والعقليّة ، فكيف تكون الألفاظ اليسيرة المركّبة ـ تركيبا جزئيّا ـ دالّة على ذاته المطلقة دلالة تامّة على سبيل المطابقة ، دون اشتراك بحكم وضعي ، (٣) أو مفهوم مقيّد بقيد وضعي أو اصطلاحي؟! هذا تعذّره بيّن جدّا.
__________________
(١) ب : جسدا.
(٢) في بعض النسخ : مقيّدة.
(٣) ق : وصفي.