البحث
البحث في إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن
طرق كثيرة عند المستفيدين من الوسائط والأسباب.
ومن الأمور ما سبق العلم الإلهي أنّها لا تنال إلّا من طريق الحواسّ مثلا أو غيرها من الطرق ، لكن إذا شاء الحقّ أن يعلمها أحد من عباده ـ المكرّمين ، المحقّقين ، المتحقّقين بمعرفته ـ دون واسطة ؛ لعلمه سبحانه أنّ هممهم قد خرقت حجب الكون وأنفت الأخذ عن سواه ، تجلّى لهم في مرتبة ذلك الطريق الحسّي أو ما كان ، ثم أفادهم ما أحبّ تعليمه إيّاهم ، فاستفادوا ذلك العلم منه سبحانه دون واسطة ، مع بقاء الخاصّيّة التي حكم بها العلم السابق على حالها ؛ إذ ما سبق به العلم لا يقبل التبديل.
ومن عباد الله من يحصل لنفسه في بعض الأحيان عند هبوب النفحات الجوديّة الإلهيّة أحوال توجب لها الإعراض عمّا سوى الحقّ ، والإقبال بوجوه قلوبها ـ بعد التفريغ التامّ ـ على حضرة الغيب الإلهي المطلق ، في أسرع من لمح البصر ، فتدرك من الأسرار الإلهيّة والكونيّة ما شاء الحقّ.
وقد تعرف تلك النفس هذه المراتب والتفاصيل أو بعضها ، وقد لا تعرف مع تحقّقها بما حصل لها من العلم.
ولمّا كان كلّ متعيّن من الأسماء والصفات وغيرهما حجابا على أصله الذي لا يتعيّن ولا يتميّز إلّا بمعيّن ، (١) وكان الكلام من جملة الصفات ، فهو حجاب على المتكلّم من حيث نسبة علمه الذاتي ، فالكلام المنسوب إلى الحقّ هو التجلّي الإلهي من غيبه وحضرة علمه في العماء الذي هو النفس الرحماني ، ومنزل تعيّن سائر المراتب والحقائق ، فيتعيّن حكم هذا التجلّي بالتوجّه الإرادي للإيجاد أو للخطاب من حيث مظهر المرتبة والاسم الذي يقتضي أن ينسب إليه النفس والقول (٢) الإيجادي ، فيظهر نسبة الاسم «المتكلّم» ثم يسري الحكم المذكور من المقام النفسي الرحماني المشار إليه الذي هو حضرة الأسماء إلى المخاطب بالتخصيص الإرادي والقبول الاستعدادي الكوني ، فيظهر سرّ ذلك التجلّي الكلامي في كلّ مدرك له وسامع حيث ما اقتضاه حكم الإرادة مع انصباغه بحكم حال من ورد عليه ، وما مرّ به من المراتب والأحكام الوقتيّة والموطنيّة وغيرهما ممّا تقرّر من قبل ،
__________________
(١) ب : متعيّن.
(٢) ب : القبول.