القدوة الحسنة الكبيرة التي يراد للناس الأخذ بها وموقع الولاية التي هيّأه لها ، لتفتح النبوّة المنطلقة في خط التبليغ على الإمامة المتحركة في خط الواقع ، مما يوجد تكاملا بينهما لا انفصالا. وهناك وجه آخر لتفسير (فَأَتَمَّهُنَ) بإرجاع الضمير إلى الله في إتمام كلماته ، (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) في تطوّر النبوة ـ الدعوة إلى الإمامة ـ الحركة.
وربما كانت المسألة كناية عن الرسالة كلها في خطها الفكري والعملي ، بحيث يكون الاختبار الإلهي بالكلمات واستيعاب إبراهيم لهن في موقع التكليف بالرسالة ، حركة مترتبة متدرجة ، إذ لا دليل على أنّ الجعل كان بعد النبوّة ، بل كل ما هناك أنّ الآية توحي بأن ثمّة هناك إيحاء من الله بالكلمات الرسالية ، وإعلانا له بأنها تمثل خط الإمامة بمعنى الولاية النبوية والقدوة الحركية في حياته. وقد لا نجد في القرآن الكريم أيّ شاهد على أن الإمامة تحمل مفهوما مقابلا للنبوّة في مفهومها الواقعي العام ، لأن الوحي الذي ينزل على النبي أو الرسالة التي يحملها الرسول ، ليسا تعبيرا عن حالة ثقافية في وعي النبي ترتبط بذاته أو تنفتح على غيره في عملية سماع مجرّد لآياتها ، بل هما معنيان حركيان في عملية الاهتداء والاقتداء والمتابعة ، مما تختزنه كلمة الإمامة في مضمون الائتمام الذي يعني الاقتداء والمتابعة ، مما تختزنه كلمة الإمامة تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) [الأنبياء : ٧٣]. وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) [السجدة : ٢٤]. فإن الصفات المذكورة للأئمة هي صفات الأنبياء في مهمّة نبوّتهم ورسالتهم ، من الهداية بأمر الله والوحي المنفتح على فعل الخيرات ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، من خلال وعيهم اليقيني لآيات الله ، وصبرهم الحركي في مواجهة التحديات والعقبات من قبل أعداء الله. وأمّا ما استدل به البعض أن مورد الآية قد جاء في أواخر عهد إبراهيم عليهالسلام بعد كبره وولادة إسماعيل وإسحاق له ،