وذلك لكونه لم يكن يعلم عليهالسلام أنه ستكون له ذرية تخلفه إلا من بعد ما بشرته الملائكة بالأولاد ، مما يلزم عنه أن الإمامة المجعولة لإبراهيم عليهالسلام هي غير النبوّة ، لا يصلح دليلا على الموضوع ، إذ من الممكن للإنسان أن يتحدث عن مستقبل أولاده الذين يرجو أن يرزق بهم ـ بحسب طبيعة الأنبياء ـ لاهتمامه بامتداد الخط في ذريته ، ولا سيما إذا عرفنا أنه لم يتحدث عن ذريته بشكل مباشر بل كان يتحدث عن الأجيال القادمة من أولاده ممن لم يكونوا موجودين.
وقد نستوحي من القرآن أن إبراهيم كان عارفا بطبيعة المهمّة ومطمئنا إليها ، فلما أتمّ الكلمات ، أو أتمّ الله له الكلمات ، ونجح في الامتحان ، لم يفاجأ بالعهد الإلهي في قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فلم يصدر عنه أيّ ردّ فعل في ما واجهه من مسئولية جديدة في نطاق ذاته ، بل كان ردّ فعله منطلقا من التفكير في مستقبل العهد وامتداده ، فهل هو من العهود التي تقتصر عليه من خلال المهمّة المحدودة بالزمان والمكان والشخص ، أم هو من العهود التي تمتد بامتداد الذريّة في مدى الزمن ، فتساءل : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) في استفهام متطلّع مستشرف يحمل طابع الأمنية التي يحملها الإنسان في فطرته لذرّيته في كل خير يحصل له. وكان الجواب حاسما ينطلق في عملية تحديد للقاعدة الرسالية التي تبرر إعطاء العهد لأي إنسان في كل زمان ومكان (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، فليست القضية امتيازا إرثيا أو تكريما شخصيا يتصل بالذات ، كما هو شأن الملوك الذين يعيشون هاجس وراثة الملك عند ما يفكرون في الذرية ، بل القضية مسئولية رسالية تتصل بحياة الناس في ما يفكرون وفي ما يعيشون ، وبخلافة الله في الأرض في ما يريد من تنظيم وتدبير ، وبعبادة الله الواحد الأحد في ما تحقق من وحي وما تثير من روحانية ، فلا بد لمن يحملها من كفاءة روحية وفكرية وعملية في ما تمثله الكفاءة من معاني الاستقامة والانسجام مع الخط العام للرسالة وللدعوة ، فهي