الشهادة امتداد للحياة
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) من خلال الصورة الظاهرية التي تتطلع إلى الجانب المادي في الجسد من حيث دوران الحياة مدار حركته وحيويته ، فإذا فقدهما فقد الحياة ، فإن ذلك شأن الماديين الذين لا يتصورون وجود حياة خارج نطاق هذا العالم في غيب الله ، الذي أكد في كتابه أن الإنسان لا يموت موتا أبديا عند ما تنطفئ الحياة في الجسد ، ولكنه يحيى بعد ذلك ليعيش حياة جديدة في عالم الآخرة الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شرّ ، أمّا المؤمنون الذي يؤمنون بالغيب وبالآخرة ، فإنهم يواجهون الموت وفي وجدانهم التطلع إلى ما بعده من الحياة ، ولذلك فلا ينبغي لهم أن يطلقوا كلمة «الأموات» على الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، بما يوحي بالفناء المطلق ويؤدي إلى الإحساس بالمرارة في شعور المجاهدين أو أهلهم وإخوانهم ، (بَلْ أَحْياءٌ) تضج الحياة في وجودهم الجديد في عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، لأنه غريب عن عالم الشعور. ولذلك فإنكم لا تملكون القدرة على إثباته من ناحية التجربة الذاتية لافتقادكم وسائل الإحساس بهذا النوع من الحياة (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) من خلال هذا العالم الذي ينطلق فيه الشعور من موقع الحس لا من موقع الغيب في علم الله.
وقد تكون هذه الآية واردة في نطاق تفريغ النفس من المشاعر الإنسانية الساذجة بالوحشة القاسية أمام حالة الموت التي تمثل فقدان الحياة ، مما يؤدي إلى الموقف السلبي إزاء الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله في مجالات الصراع مع الكفر والطغيان والانحراف ، لأن النفوس مجبولة على حب الحياة والامتداد فيها والرغبة في كل ما يتصل بها ، والبعد عن كل ما يسبّب فقدانها ...