وهكذا كانت هذه الآية للإيحاء بامتداد الحياة للشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، ولكنها تتحرك في أجواء غير الأجواء التي يعيشها الناس في هذه الحياة ، ولذلك فإنهم لا يشعرون بها ولا يتحسسونها ، لأن الإنسان لا يملك الوسائل الحسية التي يمكنه من خلالها أن يدرك طبيعة الحياة الأخرى. وتلتقي هذه الآية بسياق آيات أخرى واردة في موردها ، وهي قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١].
فقد نلاحظ أن الاتجاه في هذه الآيات هو إثارة الرغبة في الجهاد في سبيل الله ، وذلك من خلال إثارة الإحساس بامتداد الحياة في السير في هذا الطريق بشكل أفضل وأوسع مما في هذه الحياة الدنيا ... وقد يلاحظ الاختلاف بين آية سورة البقرة وبين آية سورة آل عمران من حيث التركيز هناك على أصل المبدأ وهو الحياة هنا ، بينما كان التركيز هناك على طبيعة الحياة عند الله وما فيها من نعيم وفرح وفضل واستبشار. وربما كان السبب في ذلك. ن الاية هنا واردة في سياق الآيات التي تدعو إلى التماسك والصبر ، مما يقتضي مواجهة الحالة النفسية التي يثقلها الشعور بالموت ، بالحالة التي تنفتح أمامها نوافذ الحياة ، تماما كما هي القضية في تبديل صورة قاتمة بصورة مضيئة من دون حاجة إلى الدخول في التفاصيل ، لأن الموضوع الذي يلحّ على النفس هو قضية الظلمة والضياء ...
أما الآية الأخرى ، فقد انطلقت في سياق آيات الجهاد التي كانت تواجه المنافقين الذين كانوا يثيرون نوازع القلق والحيرة والخوف في نفوس المؤمنين المندفعين إلى الجهاد ، ويحشدون أمامهم صورة القاعدين الذين يستمتعون بالحياة في مواجهة صورة المجاهدين الذين استسلموا لظلام العدم ووحشته