القضية في موقعها الطبيعي من عقيدة التوحيد وشريعة ، لأن وجود الأصنام وعدم وجودها لا يضر بذلك شيئا ما دامت العبادة مرتبطة في وعي المسلمين وتفكير بالله ، ومنطلقة من أمر الله ورسوله ، كما كانت الكعبة البيت الحرام مطافا للمسلمين قبل أن يفتح الله عليهم مكة مع وجود الأصنام التي نصبها المشركون فيها ، لأن المسلمين لم يحسبوا لها أيّ حساب في طوافهم وفي عبادتهم. أمّا إذا كانت العقدة ناشئة من أنها من شعائر المشركين ومناسكهم ، فلا تضرّ شيئا ، لأن مناسك الحج لم تكن تشريعا جاهليا إشراكيا ، بل كانت تشريعا إلهيا على يد إبراهيم عليهمالسلام ورسالته ، كما نلاحظ ذلك في آيات الحج وأحاديثه ، ولم يكن من الإسلام ، إلا أنهّ أقرّها وزاد عليها بعض التفاصيل.
وهكذا عرفنا أن كلمة (فَلا جُناحَ) لا تعطي معنى الرخصة بمعنى الإباحة ، بل تعني عدم الحرج في ما اعتقدوه من منافاته لخط التوحيد كتأكيد لهم لعدم المنافاة. لذلك كما أشرنا إليه ، فإنها ليست من شعائر الشرك وإن نصبت الأصنام عليها ، بل هي من شعائر الله التي جعلها للمؤمنين لتكون موضعا لعبادته ومقصدا للقرب إليه ، فكأنّه قال إن وجود الأصنام لا يمنع من العبادة. ثم ختم الله هذه الآية بأن الله يشكر للمتطوعين بفعل الخير علمهم ، وإن كانوا لا يستحقّون على الله ذلك ، فإن الله فرض على نفسه أن يشكر الطائفين والعاكفين والركّع السجود ، ثم يوحي إليهم بأنه عليم بنواياهم ومقاصدهم عند ما يقصدون الله في عبادتهم هذه. ويقصدون غيره. وبهذا تلتقي الرغبة في عمل الخير في نفس المؤمن وإحساسه بشكر الله له على ذلك ، بالحذر من وجود بعض الحالات النفسية المنحرفة التي تفسد العمل في دوافعه ونتائجه ، ليقف المؤمن من ذلك موقف الإنسان الذي يفحص عمله فحصا دقيقا ، لتتم له جوانبه الإيجابية التي به إلى رضوان الله وغفرانه.