الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) [سبأ : ٢٢] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [لقمان : ٢١]. وقوله تعالى : (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء : ٧٤] وقوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٧٨] وقوله تعالى : (قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [هود : ٦٢] ، وقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [المائدة : ١٠٤].
إنّ المنطق الذي يحكم تفكير هؤلاء هو اعتبار الطريقة التي جرى عليها الآباء من العبادة والعادات والتقاليد أساسا للاقتداء ، وللاهتداء ، من دون أن يقدموا أي أساس فكري على شرعية ذلك من الناحية الفكرية ، بل كل ما هناك أنهم يتعقّدون من دعوة التغيير لأنها تخرجهم من دائرتهم التي عاشوا فيها واستغرقوا في خصوصياتها ، ولذلك فإنهم لم يدخلوا مع الطرح القرآني في جدل فكري حول الموضوع في مضمون عقيدة الآباء مقارنا بمضمون الدعوة القرآنية ، بل أطلقوا كلمة الإصرار الجامد ، والاستغراب القاسي للمحاولة الرسالية في إبعادهم عما وجدوا عليه آباءهم وعما يعبد آباؤهم ، وأطلقوا كلمة الجمود التي تريد أن تختصر حركة الحياة في الماضي فلا مجال لأية حركة جديدة في الحاضر والمستقبل ، لأن مسئوليتهما أن يعيشا في إرث التاريخ الذي تركه الآباء ، فالزمن وقف عندهم ، والتطور انتهى إليهم ، وهذا ما تعبر عنه كلمتهم التي نقلها الله عنهم : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [المائدة : ١٠٤] فلن نفكر في أي شيء خارج تلك الدائرة من أية جهة كانت ، ومن أي شخص كان. إنه منطق التعصب الأعمى الذي يواجه الأشياء بالنظرة العمياء.