مواجهتهم لقضايا المصير في حسابات الربح والخسارة ، انطلاقا من الشعور الداخلي بالحاجة إلى النجاة من كل العواقب الوخيمة التي تعرّض الإنسان للهلاك والعذاب.
فقد واجه هؤلاء قضية الهدى والضلال كخطين متعاكسين في الحياة ، وكان بإمكانهم اختيار خط الهدى الذي يجلب لهم الخير والنور والفلاح ، ولكنهم استبدلوا به الضلالة التي توقعهم في الشر والظلام والخسران ، كما أنهم واجهوا قضية أسباب العذاب وأسباب المغفرة ، وكان من الممكن أن يأخذوا بأسباب المغفرة في طاعة الله ومحبته ، ويتركوا الأخذ بأسباب العذاب في معصية الله وسخطه ، ولكنهم فضلوا العذاب على المغفرة.
ثم يتعجب في معرض الإيحاء ، بأنهم لا يطيقون ذلك (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) كأنه يريد أن يوحي بأن الذي يختار هذا المصير هو الذي يملك الطاقة الكبرى من الصبر على حرارة النار وعذابها ، مع أنهم لا يملكون مثل ذلك ، فكيف اختاروا لأنفسهم هذا المصير؟.
ثم تختم الآية الأخيرة هذا الجو بتوضيح صورة الضلال الذي يتخبط فيه هؤلاء أمام الهدى الذي يمثله خط الرسالات. فقد أنزل الله الكتاب بالحق الواضح الذي لا لبس فيه ولا اختلاف ، أمّا هؤلاء الذين اختلفوا في الكتاب في ألفاظه ومعانيه وفي طبيعة المسير الذي تتحرك فيه مفاهيمه في خطوط الحياة ، فإنهم في شقاق بعيد ، لا يملك أحد فيه العوامل الإيجابية التي تقرّب وجهات النظر وتجمعها في مسار واحد ، لأن القضية ليست قضية فكر يبحث عن الحق أين يجده ، بل هي قضية أطماع وشهوات وامتيازات تبحث عن نفسها في الخلافات المتحركة في المواقع والأشخاص في كل اتجاه ، ولذلك فإنها لا تقترب إلا لتبتعد ، ولا تهدأ إلا لتثور من جديد ، لأنها لا تلتقي بالقاعدة الصلبة للقاء أو للهدوء ، بل تظل مع الرمال المتحركة التي تجر الخطى إلى أعماق