البر كملمح أساس في الشخصية الإسلامية
وفي أجواء الآية التي تشير إلى بعض هذا الجوّ ، نستوحي ملامح الشخصية الإسلامية في ما ترتكز عليه من فكر وإيمان وممارسة في السلوك الذاتي ، وفي العلاقة بالناس ، وبالمواقف الصعبة في الحياة ، وذلك من خلال تحديد طبيعة البر الذي يعني التوسع في الخير والإحسان ، كما يذكر أهل اللغة ، لأنه يمثل سرّ الشخصية لدى المؤمن في ما تنفتح عليه من آفاق التصور ، وبما تتحرك فيه من مجالات عملية.
ولعلّ القيمة في مضمون هذه الآية أنها تجاوزت المفهوم الضيق الذي يتحرك فيه البر ليرتبط بالجانب العملي للحياة ، فانطلقت به ليشمل الجانب الفكري والروحي الذي يحتضن الفكر والإيمان ، فيعتبر ـ من خلال ذلك ـ أن في الفكر خيرا وشرا ، تماما كما هو العمل خير وشرّ ، بل ربما كان الأساس في البرّ العملي ، البرّ الفكري والعقيدي ، لأنه هو الذي يعطي العمل دوافعه ونوازعه ، وهو الذي يحدد له مضمونه وطبيعته. ولهذا انطلق القرآن ليحدد للإنسان شخصيته من خلال تحديد ملامحه الفكرية والعملية ، فلم يكتف بالعمل وحده في مجال التقييم بعيدا عن الإيمان ، كما لم يكتف بالإيمان بعيدا عن العمل ، فبالإيمان والعمل تتكامل الشخصية وتنطلق.
* * *
بين البرّ والإيمان
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) لأن قضية النفس الخيّرة لا ترتبط بالشكل بعيدا عن المضمون ، فما قيمة الصلاة إلى القبلة ، أيّة قبلة