أوّلا : إن إبراهيم وإسماعيل كانا في ذلك الحين مسلمين بالمعنى الشامل للإسلام المنطلق من المعرفة العميقة الواسعة بالله ، مما نستوحيه من حوار إبراهيم مع نفسه ومع قومه ومع أبيه ، وانفتاحه على الله في كل شؤونه وتسليمه له في كل أموره ، ومن الموقف الإيماني الرائع الذي وقفه مع ولده إسماعيل عند ما أمره الله أن يذبح ولده الذي يعني أمر إسماعيل بتسليم نفسه لأبيه ، فإن الظاهر أن هذه الحادثة كانت قبل بناء البيت ، كما هو ظاهر القرآن الذي يوحي بأن التجربة الصعبة كانت عند ما بلغ معه السعي الذي يمثل أوائل مشيه ، وذلك هو قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: ١٠٢] وقد جاء عن الفراء : «كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة» ، ومن المعروف أنها ليست السنّ التي يتمكن فيها من أن يكون شريكا لأبيه في بناء البيت ، فلا بد من أن يكون ذلك متأخرا عنه.
وفي ضوء ذلك ، لا يكون إسلام إبراهيم وإسماعيل آنذاك هو الإسلام التقليدي الظاهري ، ولا سيما إذا عرفنا أن إبراهيم كان نبيا في ذلك الوقت ، فكيف يتفق هذا مع تفسير العلامة الطباطبائي ، فإن ما هو مطلوب ـ حسب هذا الرأي ـ كان حاصلا آنذاك.
وثانيا : إن الاختيارية في الفعل مشتركة بين نوعي الإسلام ، فإن الإسلام الذي يمثل تمام العبودية أمر ممكن للإنسان العادي الذي يعيش عمق المعرفة لله ، ولولاه لما كلّف الإنسان به.
وثالثا : إن الحديث عن أن الصفات والملكات الحاصلة من تكرر صدورها ليست اختيارية بحسب الحقيقة ، ليس دقيقا ، لأن الله عند ما ربط الملكات والصفات بأسبابها ، كانت اختيارية تماما كما هي اختيارية الأفعال ، ولا فرق بينهما إلا أن تلك كانت بالواسطة ، أما الأفعال فهي بدون واسطة.