أن يخشع لله في قلبه وفي فكره وحياته ، فيسلم كل وجهه لله ، فلا كلمة له أمام كلمة الله ، ولا شريعة له أمام شريعة الله ..
إنها الإيجابية الإيمانية التي ترتكز على السلبيّة المطلقة أمام الله ، لأنها تتمثل في تركيز الإرادة على ما يريده الله ، لا على ما تريده النفس الأمّارة بالسوء ، إنها الانتظار الدائم لاستقبال كلمة الله ورسالاته ، كلما غابت كلمة أو انتهت مدة رسالة ، فلا عصبية لشخص ـ حتى لو كان نبيا ـ على حساب نبيّ آخر ، ولا استغراق في الارتباط برسالة على حساب رسالة أخرى ، فإن الإسلام لله يمثل مواجهة الإنسان للحياة من خلال خضوعه لله في كل أمر ، فالقضية ـ كل القضية لديه ـ هي أن يثبت له أنّ هذه هي رسالة الله ، وأن هذا رسول الله ، ليؤمن بالرسالة وبالرسول ، ويخضع لكل ما يفرضه عليه ذلك من أقوال وأفعال ...
وفي ضوء ذلك ، نفهم التقاء الأديان كلها على القاعدة الأساسية في ملّة إبراهيم ، التي تمثّل الموقف الداخلي للإنسان المنفتح على الله في استسلام إيماني خاشع ، ونكتشف ـ في هذا الخط ـ معنى الإيمان بجميع الأنبياء في العقيدة الإسلامية ، لأنهم يمثلون العقيدة الواحدة في خط الإسلام الحق لله ، فلا معنى للإيمان ببعضهم والكفر بالبعض الآخر ما دامت الرسالات واحدة في جميع الحالات.
* * *
الراغب عن ملّة إبراهيم سفيه كافر
ولعلّ هذا ما توحي به هذه الآيات ، التي تعتبر الإنسان الذي يرغب عن ملة إبراهيم أو يرفضها سفيها يقود نفسه إلى السفه ، لأن إبراهيم لا يمثّل نفسه في ما يدعو إليه ، كمن ينطلق من الشعور بالكفاءة الذاتية في دعوته