وقيادته العامة ، بل يمثّل الإنسان الذي اصطفاه الله واختاره في الدنيا من بين الناس ليكون رسولا له يحمل رسالته ويبلّغها للناس ليهديهم إلى صراطه المستقيم ، وجعله في الآخرة من الصالحين الذين ينالون رضاه ، جزاء لعمله وجهاده في سبيله واستسلامه له في كل شيء.
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) التي ترتكز على التوحيد الخالص والإسلام الشامل لله المنفتح على كل قيم الروح ، وخصال الخير ، واستقامة الخط ، وطهارة القلب ، وصفاء السريرة ... والتي تلتقي مع كل الرسالات في خطوطها العامة ، لأنها أصل الرسالات ، فكل رسالة منفتحة على ملّته وكل نبيّ يستوحي منه ، فهل يبتعد عنها ويعرض عن الالتزام بها (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) من هؤلاء الجاهلين الذين لا يميزون بين الحسن والقبيح والخير والشر ، فينحرفون بها عن خط الاستقامة إلى خط الانحراف.
(وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) نبيا ورسولا وإماما وداعيا إلى الحق ، واخترناه من بين الناس لذلك كله ، لتميّزه عنهم في عقله وروحه واستقامته وإخلاصه لله ... وهكذا أردنا له أن يملك الموقع القويّ الذي يملك زمام الحياة في مسئوليته الشاملة ، ليكون رسول الله إلى الإنسان ليخرجه من الظلمات إلى النور (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فهو في هذه الزمرة الطيبة الطاهرة التي انطلقت في الدنيا لتجسّد الصلاح في روحيتها وتفكيرها وسلوكها واستقامتها على خط الله ، وقد تمنى وهو في الحياة أن يلحقه الله بهؤلاء لينال الدرجة العليا التي ينالونها ، وليعيش القرب إلى الله الذي عاشوه وليبلغ النعيم الذي بلغوه. وهذا هو التعبير الكنائي عن صلاحه في الدنيا الذي يجعله من الصالحين في الآخرة ، وقد ارتفع في هذه الدرجة حتى جعله الله خليلا.
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ربما كان القول وحيا أو إلهاما ، وربما كان فكرا وشعورا وإحساسا يتحسس الإنسان فيه من داخل روحيته الذاتية وفكره