الناس من أهل الكتاب إزاء هذا التشريع الجديد ، مما يدفعهم إلى أن يطرحوا مثل هذا التساؤل في مرارة وإنكار ... وفي ذلك إيحاء بانخفاض المستوى الثقافي الذي يمكنهم من خلاله مواجهة الأمور التشريعية من جانبها الفكري على أساس الركائز الثابتة التي تقدم عليها قضايا التشريع.
وقد صاغت الآية الفكرة المضادة بصيغة التساؤل الذي يشوبه الاعتراض والإنكار ، كأسلوب من أساليب إثارة الجو ضد التشريع بشكل بريء ، فهي لا تطرح الفكرة بصورة الرفض المطلق لتوحي للآخرين بالموقف المضاد الذي تستثيره حالة المعارضة ، بل تطرحها بصورة السؤال لتستطيع إثارة الشك والبلبلة في أذهان المسلمين ، تماما كأية قضية من القضايا التي يدور فيها الجدل من أجل الوصول إلى نتيجة حاسمة ، في أسلوب إيحائي بإخراج الموضوع من جوّ القداسة التي تفرض الالتزام والتسليم المطلق.
وهذا ما نواجهه في كثير من الأساليب التي يستعملها الأعداء ضد الأحكام الشرعية من أجل وضعها في مواقع الشك والريب ، وذلك بإثارة الجوانب السطحية التي تبتعد بالإنسان عن التعمق في خلفيات التشريع البعيدة المدى ، ليكون ذلك بداية للانفتاح على حالات الشك التي تبعد المسلم تدريجيا عن روحية التسليم المطلق لله ...
وقد لا يظهر الجانب السلبي في هذا العرض الاستفهامي ، باعتبار أن الإسلام لم يتنكر للشك كأساس للوصول إلى الحقيقة ، ولم يواجه التساؤلات التي كان المسلمون يثيرونها أمام بعض الأحكام الشرعية بالردّ والرفض العنيف ، بل عمل على أن يواجه الإنسان ، كافرا أو مؤمنا ، الفكرة العقيدية والفرعية ، من موقع التساؤل البريء ، لتتكون القناعة الفكرية في العقيدة والتشريع على أساس متين.