(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) الذين لا يفكرون في الأمور بطريقة متوازنة ، ولا يميّزون بين الوحي الإلهي في تشريعه المنطلق من المصلحة التي تتغير حسب تغير الأزمان والأحوال ، مما يجعل الشيء ذا مصلحة اليوم بلحاظ عنوان أو ظرف معين ، ولا يكون ذا مصلحة في يوم آخر بلحاظ عنوان جديد أو ظرف طارئ ، وبين الرغبة الذاتية التي تتحرك من موقع الأهواء التي لا تخضع لقاعدة.
(ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) في صلاتهم ، فكيف تتغير القبلة بين وقت وآخر ، وكيف يتبدل التشريع الإلهي إذا كانوا ينسبون القبلة إلى وحي الله ، وهل يمكن أن يبدّل الله شريعته وهو العالم بحقائق الأشياء بعيدا عن كل الحالات الطارئة؟ فإذا كان التوجه إلى الكعبة مصلحة ، فكيف كان بيت المقدس قبلة في التشريع الأول؟
ولكننا لو دقّقنا في هذا الموقف ، لاكتشفنا الاتجاه السلبي الذي يتحرك من خلاله السؤال ، ولرأينا أن السلبية تكمن في إعطاء الموقف جوّا من الإثارة التي تدفع للاعتراض ، بالإضافة إلى أنه يسيء إلى الجانب التربوي الذي ترتكز عليه الشخصية الإسلامية التي تعتبر تكوين الأساس العقيدي منطلقا للالتزام الفكري والعملي بالتشريع ، باعتباره صادرا من خالق الإنسان الذي يعرف ما يصلحه وما يفسده أكثر من الإنسان نفسه ، وبذلك كانت الفكرة المطروحة إسلاميا لمن يحاول فهم الأحكام الشرعية : التزم واعمل ثم ناقش واسأل.
إنهم يتساءلون عن الأساس الذي صرف المسلمين عن قبلتهم ، ويثيرون أمام هذا التساؤل نقطتين :
الأولى : إنهم يوجهون الحديث إلى المسلمين كما لو كانت القضية تعني سلوكا شخصيا لهم.