بالتوجه إلى بيت المقدس ، ثم حوّلهم عنها ليبرز الأشخاص الذين يعيشون الإسلام فكرا وشعورا وممارسة وطاعة مطلقة ... وليتميزوا عن الأشخاص الذين يعيشون الاهتزاز في إيمانهم ، ويواجهون الرسالة كأيّة فكرة بشرية قابلة للأخذ والرد ، ويفهمون الإيمان ارتباطا شكليا بالله وبالرسول ، حتى إذا وقفوا في مواقع البلاء ، تحوّلوا عن مواقفهم ومواقعهم الإيمانية إلى مواقع الكفر والنفاق. ولا نريد أن نخوض طويلا في ما خاض فيه المفسرون من إثارة التساؤل حول كلمة (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) في الآية ، حيث إن الله لا يحتاج إلى أية وسيلة عملية لمعرفة طبيعة الأشخاص ، لأن هذا التعبير جار على الأسلوب القرآني الذي يتحدث عن الوسائل التي توضح الأشياء الخفية وتظهرها باعتبارها أساسا للعلم الذي يريد الله أن يحصل عليه من خلال ذلك ، وذلك على سبيل الاستعارة لقيام الحجّة على الإنسان بذلك ، للتدليل على أن الله لا يعاقب الناس ولا يحاسبهم إلا على أساس ما يظهر له من أفعالهم وأقوالهم ، وهذا ما عبّر عنه قوله تعالى :
(الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ١ ـ ٣].
وهكذا كانت القبلة الجديدة اختبارا للإيمان المستقر في قلوب المؤمنين الذين يسلمون أمرهم لله فلا يعترضون على ما يأتيهم الرسول به من تشريعات ، لأنهم يؤمنون بأنه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ـ ٤] ، ليتميز هؤلاء عن غيرهم ...
(مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) هذا كناية عن الذين يتراجعون عن خط الإيمان ويسقطون أمام التجربة وتثيرهم الشكوك وتنحرف بهم عن الخط ، لأنهم لا يعيشون الإسلام تسليما فكريا وروحيا وعمليا ، ولا ينفتحون على الرسول التزاما وطاعة.