تطلعا روحيا إلى قبلة جديدة تنسجم مع أجواء الرسالة الإسلامية التي انطلقت من البلد الحرام والمسجد الحرام ، واعتبرت امتدادا للخط الإسلامي الذي بدأه إبراهيم في منطلقة الروحي من الكعبة ... وكانت مشاعره تتصاعد في ابتهال داخلي كمثل الدعاء الصامت الذي يعبر عن نفسه بالنظرات الخاشعة التي توحي وكأنها تنتظر شيئا كمثل الهاجس الداخلي الذي يشبه الوحي.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) في تطلع ابتهالي ينفتح في روحية دعائية على ربه ، في تعبير عن الرغبة العقلية التي تنطلق من حسابات دقيقة في مصلحة الرسالة ومن إيحاءات شعورية في وعي التحدي اليهودي ضد الإسلام ، وذلك في دعاء هادئ يرتفع إلى الله ، من دون اعتراض على تشريعه للقبلة الأولى ، وتوسل إليه أن يبدلها إلى القبلة الجديدة ـ وهي الكعبة ـ التي تنسجم مع موقع الرسالة الذي يتجذر في حركة الأمة ، من خلال الإحساس بأن الدين الجديد بحاجة إلى قبلة جديدة تمثل رمز الوحدة الحركية للأمة.
فإن الله الذي أراد لإبراهيم أن يؤذّن في الناس بالحج إلى الكعبة ، أعطاها معنى الطهارة والقداسة والخصوصية المميزة في اعتبارها بيته المحرّم الذي طهّره ـ من خلال إبراهيم ـ للطائفين والعاكفين والركّع السجود ، كما جعله مثابة للناس وأمنا ، وغير ذلك من الخصوصيات الداخلية والخارجية التي تميزه عن بيت المقدس. فقد صنعت الكعبة على عين الله ولم يكن ذلك لبيت المقدس .. وهكذا تقبّل الله ابتهالاته ودعواته ، وجاء الوحي ليقرّر التشريع للقبلة الجديدة التي يرضاها الله كما رضيها رسوله : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ) يا محمد (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، أي حوّل نفسك في توجهاتك العبادية نحو المسجد الحرام الذي يحتوي الكعبة ـ القبلة باعتبارها جزءا منه ، (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أيها المسلمون ، (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وتوجهوا إليه ، ليكون