رمز وحدتكم في اتجاهكم نحو بيت الله الذي هو المسجد العالمي ، سواء كنتم في البحر أو في البر ، أو في السهل أو في الجبل ، أو في الجوّ أو في الشرق أو في الغرب ، ولا تنحرفوا عنه إلى غيره يمينا أو شمالا ولا تستدبروه. وقد انطلق التدقيق بالقبلة من خلال التحديد الصريح في ضرورة التوجه إلى المسجد الحرام حتى أصبح هناك ما يقارب تأسيس علم القبلة.
وهكذا كانت القبلة الجديدة في حركة التشريع استجابة للتطلعات الروحية النبوية بالإضافة إلى ما تشتمل عليه من المصالح الإلهية التي يريد الله للناس أن يحصلوا عليها من خلال ذلك ... وهكذا وجه الله نبيه إلى جهة المسجد الحرام لاشتماله على الكعبة ، وهو قائم يصلي في مسجد بني سالم في ما تنقله روايات أسباب النزول ، ودعا المسلمين إلى التوجه إليه في أي مكان كانوا ... وأثار أمامه قضية أهل الكتاب الذين لا ينطلقون من الواقع في ما ينطلقون فيه من حديث وإثارة ، بل ينطلقون من العناد والمكابرة والكذب ...
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ولا سيما اليهود الذي بادروا بالاعتراض وأوحوا للمنافقين أن يرفعوا الصوت عاليا بذلك ، بعد أن كانوا يتحدون النبي ويستعلون عليه لتوجهه إلى قبلتهم نحو بيت المقدس ، (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). قال في مجمع البيان : «أي يعلمون أن تحويل القبلة إلى الكعبة حق مأمور به من ربهم ، وإنما علموا ذلك لأنه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبي من صفاته كذا وكذا ، وكان في صفاته أنه يصلّي إلى القبلتين. وروي أنهم قالوا ـ عند التحويل ـ : ما أمرت بهذا يا محمد وإنما هو شيء تبتدعه من تلقاء نفسك مرة إلى هنا ، ومرّة إلى هنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وبيّن أنهم يعلمون خلاف ما يقولون» (١). وربما كان وصفهم بأهل الكتاب في الآية إيحاء
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤٢٠.