سيفه ويصلحه وأبي يقول :
يا دهر افّ لك من خليل |
|
كم لك بالاشراق والأصيل |
من صاحب أو طالب قتيل |
|
والدهر لا يقنع بالبديل |
وإنّما الأمر إلى الجليل |
|
وكلّ حيّ سالك السبيل |
قال فأعادها مرّتين أو ثلاثا حتّى فهمتها فعرفت ما أراد ، فخنقتني عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكوت ، فعلمت انّ البلاء قد نزل ، فأما عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت ـ وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع ـ فلم تملك نفسها ان وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي! وعلي أبي! وحسن أخي! يا خليفة الماضي وثمال الباقي ، فنظر إليها الحسين (ع) ، فقال : يا أخيّة! لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، قالت : بأبي أنت وأمّي ، يا أبا عبد الله استقتلت! نفسي فداك! فردّ غصّته وترقرقت عيناه وقال : لو ترك القطا ليلا لنام. قالت : يا ويلتا! أفتغصب نفسك اغتصابا! فذلك أقرح لقلبي! وأشدّ على نفسي! ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقّته! وخرّت مغشيّا عليها! فقام إليها الحسين ، فصبّ على وجهها الماء! وقال لها : يا أخيّة! اتّقي الله! وتعزي بعزاء الله! واعلمي انّ أهل الأرض يموتون ، وانّ أهل السماء لا يبقون ، وانّ كلّ شيء هالك إلّا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي خير منّي ، وأمّي خير منّي ، وأخي خير مني ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله اسوة ، قال : فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا أخيّة! إنّي أقسم عليك فأبرّي قسمي. لا تشقي عليّ جيبا! ولا تخمشي عليّ وجها! ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت! قال : ثم جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها