اثنا عشر ملكا محمرّة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون : يا محمّد! سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، قال : ولم يبق في السماء ملك إلّا ونزل على النبيّ (ص) يعزّيه بالحسين ويخبره بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبيّ يقول : اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه.
ولمّا أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبيّ في سفر فلمّا كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها : كربلاء ، يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة ، فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : رجل يقال له يزيد ، لا بارك الله في نفسه ، وكأنّي أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها ، وقد أهدي رأسه ، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه (يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة).
قال : ثم رجع النبي من سفره ذلك مغموما فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع الحسن ، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي محمّد عبدك ونبيّك ، وهذان أطائب عترتي وخيار ذريّتي وأرومتي ومن أخلفهما بعدي ، اللهم وقد أخبرني جبريل بأنّ ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم فبارك لي في قتله ، واجعله من سادات الشهداء إنك على كل شيء قدير ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.
قال : فضجّ الناس في المسجد بالبكاء ، فقال النبي : أتبكون ولا تنصرونه؟! اللهم فكن له أنت وليا وناصرا (١).
__________________
(١) مقتل الخوارزمي ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤ وقد أوردنا ما ذكره باختصار.