١. المعاد رمز الخلقة
من التساؤلات والإثارات التي تتواصل إثارتها في الفكر البشري وتلحّ على الإنسان وتلاحقه دائماً وبلا هوادة هو السؤال عن أصل الخلقة والهدف منها ، وما ذا أُريد منها؟
وإنّ الشيء الذي يمكن أن يبيّن الغرض من خلق العالم عامة والإنسان خاصة ، وتجعل لذلك العالم هدفية وغرضاً وفهماً عقلائياً هو مسألة الاعتقاد بالمعاد بالنسبة إلى الإنسان والعالم بكلّ جزئياته وذراته ، بمعنى انّ هذا العالم بكلّ محتوياته سيتحول إلى عالم آخر أكثر تكاملاً وأفضل ، وكأنّ خلق الإنسان ووجوده في هذا العالم بمنزلة إعداد الأرضية المناسبة لخلق آخر أكمل ، وإذا لم يكن للعالم وللخلق هذه الهدفية وهذا الخلق المجدد تصبح وبلا ريب عملية خلق الإنسان والعالم ـ بكلّ عظمته ليعيش الإنسان مقداراً من العمر القصير والسنين المعدودة ـ أمراً عبثياً لا جدوى منه ولا فائدة فيه ولا يجدي طائلاً أبداً. ويخرج حينئذٍ فعله سبحانه وتعالى عن الحكمة.
إنّ قسماً من آيات الذكر الحكيم تنظر إلى مسألة المعاد من هذه الزاوية ، وترى أنّ خلق العالم إذا جرّد عن المعاد يفتقد الصفحة الذهبية منه ويصبح حينئذٍ كتاباً عبثياً لا جدوى منه. ويمكن تقسيم الآيات التي تدلّ على هذه الغاية من خلق العالم إلى طائفتين :
الطائفة الأُولى : الآيات التي ترى أنّ إنكار المعاد يلازم العبث.
الطائفة الثانية : الآيات التي تصف خلقه سبحانه للعالم وإيجاده له ، بالحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل.
ونشير هنا إلى نموذجين من الطائفة الأُولى.