فلسفة الرقابة العامّة
من هذا المنطلق تتّضح لنا فلسفة الرقابة العامة والتي أشار إليها القرآن الكريم تحت عنوان «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في عشرة موارد ، ومن خلال ملاحظة وحدة الرابطة والعلاقة بين أفراد المجتمع والحكم الواحد الذي يخضع له المجتمع ، لا يمكن اعتبار الرقابة العامة ـ التي تتم من خلال كافة أفراد المجتمع ، ومن خلال إجراء المقررات ، وتنفيذ القوانين وتطبيق العقوبات على المخالفين ـ مخالفة لقوانين وسنن الحرية والاستقلال ، وذلك لأنّ الحياة الاجتماعية لا يمكن بحال من الأحوال أن تقوم من دون تلك المراقبة ومن دون تنفيذ القوانين والمقررات ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى انّ كلّ فرد حينما يختار الحياة الاجتماعية لا بدّ أنّه قد اختار أيضاً تلك المقررات والقوانين التي ـ وبلا شكّ ـ سوف تحدُّ من صلاحياته واستقلاله وحريته.
ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن «الرقابة العامّة» بصورة مفصّلة ، بل كان غرضنا في الواقع بيان قسم من القوانين والسنن التي تحكم المجتمع والتاريخ في القرآن الكريم.
وبسبب كون الحياة الاجتماعية هي حياة المسئوليات والتعهّدات الاجتماعية ، نجد القرآن الكريم قد أولاها أهمية خاصّة ، ووضع على عاتق الإنسان المسلم الكثير من المسئوليات والتكاليف تجاه المجتمع والتي تشكّل القسم الأكبر من سنن ومقررات الفقه الإسلامي ، حتّى أنّها تفوق المقررات والقوانين والأحكام الفردية للإنسان المسلم. (١)
__________________
(١). منشور جاويد : ١ / ٣١٢ ـ ٣١٥.