ومن بعد ذلك تعود الآية رقم ٣٣ للحديث عن المعاد ويوم القيامة حيث قال سبحانه:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ...).
وإذا لم يوجد في القرآن الكريم إلّا هذه الآيات بهذا النظم الرائع والترتيب المنطقي والوصف الجيد ، لأذعنّا بما لا ريب فيه أنّ هذا القرآن لا يمكن أن يكون نتاج وثمرة الفكر البشري خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك المحيط البعيد كلّ البعد عن أجواء العلم والمعرفة «الجزيرة العربية» ، كما أنّنا ندرك جيداً ونذعن بأنّ كلّ كلمة سطّرت في هذا القرآن إنّما سطّرت على أساس حسابات دقيقة غاية في الدقة والإمعان والرصانة ، ولذلك نجدها بعد أن توصفه سبحانه (بالحق) تستنتج من ذلك الحق قطعية المعاد والقيامة.
وعلى هذا الأساس نرى القرآن تارة ينطلق من فكرة كون «الحق» ملازماً للمعاد ، وأُخرى ينطلق من أنّ النظام المتناسق للكون لا يمكن أن يكون خالياً من الهدفية ، ولذلك لا بدّ من الإذعان بالمعاد والقيامة والحياة الأُخرى.
والنتيجة : إنّ مجموع الآيات يشير إلى كون المعاد رمزاً لهدفية الخلق ، وتعدّه أمراً حتمياً وواقعاً قطعياً.
٢. المعاد مظهر العدل الإلهي
إنّ العمل على أساس العدل هو أحد فروع مسألة التحسين والتقبيح العقليّين ، وإنّ الذين يذهبون إلى الاعتقاد بهذه النظرية في مجال العقل العملي ،