قائماً في الكلّ ـ ولكن من دون أن يفقد الأفراد هويتهم وشخصيتهم الخاصة بهم. (١)
ويمكن أن نشبه التركيب الاجتماعي بأفراد المسرح الواحد ، حيث إنّ قسماً منهم يقوم بدور الممثّلين والقسم الآخر يقوم بدور المشاهدين والمتفرجين ، ولكنّهم باجتماعهم في مكان واحد ـ جميعاً ـ أفراد مسرح واحد بصورة أُوتوماتيكية.
الرؤية القرآنية للوحدة الاجتماعية
إنّ الرؤية القرآنية للتركيب الاجتماعي بنحو آخر ، إذ يمكن القول : إنّ القرآن يرى المركب الاجتماعي من قبيل المركب الحقيقي لا الاعتباري ولا الصناعي ولا المركّب الكيمياوي ، بل هو تركيب خاص لا نظير له ، وإنّ العناصر التي تتّحد في المجتمع وتتركّب ليست هي هياكل الأفراد وأجسامهم ، بل الذي يتّحد هو : الأفكار والعواطف والميول والرغبات ، والإرادات ، وبالنتيجة يكون النسيج تركيباً اقتصادياً ، سياسياً ، مذهبياً تربوياً ، ولا ريب أنّ هذا النسيج والمركب لا نظير له ولا مثيل ، وذلك لأنّه حينما يتّحد الأفراد بطاقاتهم الفطرية والمكتسبة وينزلون إلى ساحة الحياة الاجتماعية ، فإنّ كلّ واحد منهم يؤثر تأثيراً مباشراً في الجهات الروحية لبقية الأفراد ، يفعل وينفعل ، وحينئذ يكتسب المجتمع روحاً واحدة.
إنّ المجتمع الإنساني ـ وفقاً لقوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) مجتمع مؤسساتي ، بمعنى أنّه في الوقت الذي يكون فيها للأفراد شخصيتهم واستقلالهم ، بنحو يمكن أن يقوم بعضهم ضد البعض الآخر ، ولكن مع ذلك
__________________
(١). جامعة وتاريخ : ١٧ ـ ١٨.