كلّه يكون الحاكم عليهم روح المجتمع الذي يمكن أن يسخر الجميع له ، ويكون كلّ فرد بمنزلة الخلية في الجسم ، فيكون المجتمع حينئذٍ موجوداً حيّاً له حياة وعمر وأجل معين خاصّ به ، وانّ هذه الوحدة وهذه الحياة خاصة به ولا يشابهه فيها أيّ مخلوق آخر ، وانّ هذه الوحدة وحدة حقيقية صرفة ولا شائبة فيها أبداً للوحدة المجازية.
إنّ النظرية القرآنية في خصوص أصالة المجتمع تشبهها بعض النظريات الاجتماعية كنظرية العالم الاجتماعي «دوركهيم» حيث يرى «أنّ للمجتمع تشخّصاً ووجوداً وحياة وأصالة» مع وجود تفاوت بين النظريتين حيث إنّه يميل كثيراً نحو أصالة المجتمع إلى حدٍّ يرى اعتبارية الفرد ، فلا يستحقّ الاهتمام والالتفات إليه ، بل ينبغي أن يلقى جانباً ، ولكن الرؤية القرآنية بالإضافة إلى الاعتقاد بأصالة المجتمع ترى أنّ للفرد واقعية واستقلالاً وأصالة واختياراً ، ولذلك ترى أنّ المركّب الاجتماعي مركّب حقيقي وليس طبيعياً ولا صناعياً فضلاً عن كونه اعتبارياً.
فكلّما قلنا : إنّ للمجتمع أصالة فإنّ لازم ذلك ـ وبصورة قهرية ـ أن تحفظ روح المجتمع وشخصيته ووحدته ، كخلايا البدن الإنساني تموت وتتغيّر بصورة طبيعية ، ولكن مع ذلك يبقى بدن الإنسان وهيكله سالماً.
خلاصة القول : إنّ الروابط والعلاقات بين أجزاء المجتمع الإنساني ليست من قبيل العلاقة بين اللاعبين ، والمتفرجين في الألعاب الأُولمبية ، الذين يجتمعون صباحاً وبعد إجراء سلسلة من الألعاب الرياضية ينفض الجميع ويذهب الكلّ إلى مكانه الذي جاء منه ، كما أنّها ليست من قبيل أعضاء قافلة سياحية تجتمع في مكان ما لتكسب قسطاً من الراحة ثمّ ينهض