الحساب التدويني
النوع الآخر من الحساب هو الحساب التدويني ، وهو النمط المعروف والرائج في أوساط العقلاء من الناس في حياتهم الاعتيادية ، فلكلّ إنسان أو جماعة يقومون بعملية إحصاء ومحاسبة دقيقة لوارداتهم وصادراتهم ، دخلهم ومصرفهم ، ونفعهم وخسارتهم ، ويبنون حياتهم على أساس نتائج تلك الحسابات.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى المحاكم وديوان المحاسبات التي تشرف على مؤسسات الدولة فانّها تخضع تلك المؤسسات والموظفين فيها إلى مراقبة ومحاسبة مالية دقيقة لتعلم جيداً انّ الأموال التي حوّلت إليهم هل صرفت في مجالاتها المخصصة لها بصورة صحيحة أم لا؟ وكذلك مراقبة النظام الإداري من ناحية وقت العمل ، وكيف يقضي العاملون ساعات الدوام الإداري.
الذي يظهر أنّ الحساب في عالم الآخرة هو من قبيل الحساب التدويني ولكن بنحو ونمط آخر ، بمعنى أنّ الله سبحانه خلق العالم وخلق الإنسان ومنحه تلك الثروة العظيمة من الحياة والنعم الوافرة ليستفيد منها ورسم لهم منهجاً وأمره بالسير على وفقه ، ولذلك سيوقفه يوم القيامة أمام محكمة العدل ليحاسبه عن كلّ النعم التي وهبها له وعن حياته والمنهج الذي سار عليه. وكيف استفاد من تلك الثروة العظيمة ، ويكون حسابه قائماً على أساس قانون إلهي ، وتنشر صحائف الأعمال وتفتح الكتب التي دوّنت أعمال العباد حسنها وقبيحها ، وهذا ما أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً). (١)
__________________
(١). الانشقاق : ٧ ـ ٨.