وعلى هذا الأساس تكون الأعمال المدهشة للنحل كالتنظيم الهندسي للخلية وتوزيع الأدوار والحراسة ومنع الزنابير المريضة من دخول الخلية والتجول بين الأزهار ومص رحيقها ، وتحويلها إلى شهد لذيذ و ... كلّ ذلك إنّما هو وليد العامل الغريزي.
ب : الإلهام والإلقاء في القلب
لقد استعمل مصطلح الوحي في القرآن بمعنى آخر وهو : الإلقاء إلى القلب ، بمعنى أنّ الملقى إليه يصل إلى تلقّي الشيء ومعرفته من دون أن يرى الملقي أو يخضع إلى تعليمه المباشر له ، وهذا التلقّي في الحقيقة معلول لعاملين ، هما :
١. طهارة النفس : فقد تصل النفس في بعض الأحيان وبسبب الطهر المعنوي والسمو الروحي والمعنوي والنورانية التي تتحلّى بها ، إلى مقام تكتمل فيه لياقاتها وقدراتها بحيث تكون على استعداد لتلقّي الحقائق من الموجودات النورانية والشخصيات الكاملة ، بل تصل إلى درجة تلقي تلك الحقائق من الذات المقدّسة لله سبحانه.
٢. وتارة أُخرى قد تنحط النفس بحيث تصل إلى درجة من الدناءة والخسّة والوقوع في الظلمة ، بحيث ترتبط حينئذ بما يسانخها من الأرواح الخبيثة وتتلقّى منها التعاليم الفاسدة والأفكار المنحطّة والمخادعة التي لا أساس لها أبداً.
وإذا ما استعملت كلمة «الوحي» في الحالتين فما ذلك إلّا بسبب وجود ملاك الإطلاق وهو توفّر صفتي : الخفاء ، والسرعة ، في تلك التعاليم ، والأفضل أن نطلق على القسم الأوّل عبارة «الإلهام والإشراق» وعلى القسم الثاني «الوسوسة الشيطانية».