والجواب عن هذه الشبهة هو : ليس الهدف من إقامة الحساب والمحاكمة يوم القيامة (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (١) هو انّ الله سبحانه يطّلع على أعمال عباده الحسنة منها والسيّئة واستحقاق الثواب أو العقاب ، من خلال طرحه سبحانه سلسلة من الأسئلة على عباده ، لأنّ الله سبحانه ـ وكما جاء في متن السؤال ـ يعلم بكلّ شيء ، ولذلك فهو غني عن إقامة المحكمة لتحقيق ذلك الغرض ، بل أنّ المقصود حقيقة من وراء إقامة محكمة الحساب شيء آخر ، وهو : إراءة عدله وجوده وحكمته سبحانه عند المحاسبة ، وليتّضح ذلك للجميع بنحو لا يرتاب فيه أحد حتى أُولئك الذين كانوا في شكّ من ذلك في الحياة الدنيا يتّضح لهم عدله ورحمته سبحانه بنحو لم يبق لهم مجال للاعتذار أو الاعتراض.
ومن هنا يمكن القول : إنّ مسألة «الحساب» في العالم الآخر ليست بمنزلة الامتحان والابتلاء والاختبار في الحياة الدنيا والتي تجري بين العباد لكسب المعرفة والتعرّف على جوهر الأفراد وحقائقهم ، أو معرفة أُمور أُخرى ، بل أنّ الامتحان الإلهي له علله وأهدافه الخاصة التي منها إقامة الحجة على العباد. (٢)
٢. مَن المحاسب؟
دلّت الأُصول التوحيدية على أنّ جميع العلل والأسباب تنتهي إلى خالق واحد ومدبّر فرد ، هو مبدأ جميع الموجودات ، وهو مسبب الأسباب كلّها.
وهنا يقع الكلام في البحث التالي : من المعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى قد أقام النظام الدنيوي على أساس قانون العلّية والمعلولية ، وانّه منح بعض مخلوقاته
__________________
(١). إبراهيم : ٤١.
(٢). ومن الطبيعي أنّ للامتحان الإلهي أهدافاً أُخرى تذكر في محلها.