الدليل الثاني : انعدام التنسيق والانسجام بين النفس والبدن
في الحقيقة انّ التركيب بين النفس والبدن ليس من قبيل التركيب الصناعي بين المنضدة والكرسي ، أو من قبيل التركيبات الكيمياوية ، بل هو تركيب أسمى وأرقى ، إذ هو تركيب واقعي وحقيقي ، يشكل في الحقيقة نوعاً من الوحدة بينهما وهذه الوحدة حاكمة عليهما ، وبسبب هذه الوحدة الحقيقية تسير النفس سيراً متناسقاً ومنسجماً مع حركة البدن ونموه ، وتكامله ، ولذلك تكتسب النفس شأناً وخاصية تنسجم مع المرحلة التي يعيش فيها البدن من الرضاعة إلى الطفولة إلى الفتوة والمراهقة ، مروراً بالشباب ثمّ الكهولة والشيخوخة والهرم ، وفي كلّ هذه المراحل تنتقل قوى النفس من مرحلة القوّة والاستعداد إلى مرحلة الفعلية والاقتدار بما يناسب تلك المرحلة.
ففي هذه الحالة التي اكتسبت النفس كمالاتها وانتقلت استعداداتها من مرحلة القوة إلى الفعلية ، كيف يا ترى أن تنتقل هذه النفس بهذه الخصائص لتتعلّق بالخلية النباتية أو النطفة الحيوانية أو الجنين الإنساني؟ وكيف يمكن لها أن تنسجم وتتناسق مع ذلك البدن والمفروض انّها وصلت من ناحية الكمالات إلى حدّ الفعلية ، والبدن لا يزال يعيش في المراحل الأُولى من كمالاته ، بل إنّه يمتلك فقط القوّة والاستعداد للتكامل فقط؟!
ملاحظة : انّ هذا البرهان إنّما يصدق في حالة واحدة وهي فيما إذا تعلّقت النفس المتكاملة ببدن أدنى منها ، أي بالبدن الذي لم تصل كمالاته واستعداداته الذاتية إلى حد الفعلية ، وأمّا إذا تعلّقت ببدن متكامل قد وصلت قدراته إلى حدّ الفعلية ، فحينئذٍ يمكنه التناسق والانسجام معها ، ولا يصدق حينئذٍ ذلك