الإلهية. أمام هذه الصراحة كيف نوجه حرية الإنسان أمام الإرادة والمشيئة الإلهية؟
الجواب : انّ بحث الهداية والضلال من وجهة نظر القرآن الكريم من البحوث المعمّقة والواسعة النطاق والمفصّلة ، بحيث إنّ دراستها دراسة كاملة وشاملة تستدعي أن نأتي بجميع الآيات الواردة في هذا المجال وتسليط الضوء على جميع زوايا تلك الآيات وبيان أسرارها والنكات الكامنة فيها لنستخلص النظرية القرآنية في هذا المجال ، وبما أنّ ذلك يستدعي بحثاً مفصلاً لا ينسجم مع هدف هذا الكتاب ، لذلك سوف نركّز البحث على نوع واحد من الآيات وهي الآيات التي تقول : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
الحقيقة انّ الاستدلال بهذا الطيف من الآيات القرآنية لإثبات نظرية «الجبر» يُعدّ غفلة عن هدف الآيات المذكورة ، والسبب في هذه الغفلة هو الخلط بين نوعين من الهداية وعدم التفكيك بينهما ، وهما : «الهداية العامة» والأُخرى «الهداية الخاصة» ، فإذا سلّطنا الضوء على هذين النوعين من الهداية يتّضح وبجلاء مفهوم تلك الآيات والمراد منها ، وستنتفي حينئذٍ فكرة الجبر بالكامل.
الهداية العامّة والخاصّة
من المعلوم أنّ الله سبحانه هو مفيض كلّ شيء ومن الأُمور التي يفيضها «فيض الهداية» وانّ له سبحانه نوعين من الإرشاد والهداية ، إحداهما عام وشامل بحيث يستوعب ويشمل جميع أفراد الإنسان ، والآخر هو الفيض والإرشاد الخاص وهو الذي يشمل بعض الأفراد الذين استفادوا من الهداية العامة على أحسن وجه وأكمله ، إذ لو انّ هذه الفئة من الناس لم تستغل الهداية العامة والفيض الشامل بصورة صحيحة ، فحينئذٍ لا تصل النوبة إلى مرحلة الهداية الخاصة ولا يشملها