الفكري ، وهذا المائز هو من المميزات الأساسية والمهمة ، ولأهمية الفكر والتأمّل والتدبّر في الإسراع في تطوّر الإنسان وتكامله نجد القرآن الكريم قد ذكر كلمة «العقل» في ٤٨ مورداً ، و «الفكر» ١٨ مرة ، وكلمة «اللب» ١٦ مرّة ، و «التدبّر» أربع مرّات ، وجاءت كلمة «النهي» التي هي مرادفة للعقل مرتين ، وأمّا «العلم والمعرفة» الذي هو نتاج الفكر والتعقّل والتدبّر فقد جاء بجميع مشتقاته في القرآن الكريم ٧٧٩ مرّة.
إنّ إحدى كمالات الإنسان الوجودية هي معرفته بسر العالم وأسرار وخفايا الخلق بنحو يتمكن من خلاله قراءة لغة الخلق وفهم كوامنه بنحو يصبح العالم بعظمته أمامه وأمام الآخرين سهل الانقياد له ومطيعاً لإرادته. وهذا بالطبع ممّا تكون له عوائد بنّاءة وفوائد جمّة في رقي الإنسان وتكامله ، ولا ريب انّ ذلك لا يمكن أن يحدث إلّا في ظل إعمال الفكر والتأمّل والتدبّر ، وعلى هذا الأساس ونظراً لهذه الأهمية للسير الفكري نجد القرآن الكريم يذكر الإنسان بأنّه قد فتح عينيه على هذا العالم المترامي الأطراف وهو لا يعلم شيئاً ولا يدرك ما يحيط به من أسرار وخفايا وإمكانات هائلة ولكنّه بإعمال عقله وفكره يتوصّل إلى السر الكامن في هذا العالم الفسيح ، وحينئذٍ لا بدّ له أن يخضع لله سبحانه وتعالى بالطاعة والشكر على هذه النعمة والموهبة التي منحها له ، يقول سبحانه :
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (١)
٢. معرفة العلم الباعث على الكمال
صحيح انّ القرآن الكريم قد حثّ على التفكّر والتأمّل والتعمّق وإعمال
__________________
(١). النحل : ٧٨.