الطاقات والقدرات في عملية تحصيل العلم والمعرفة ، وفتح أمام الإنسان أبواب العلم والمعرفة، ولكنّه في آيات أُخرى يؤكّد على حقيقة أُخرى وهي أنّه ليس كلّ علم أو معرفة يُعد عاملاً لكمال الإنسان وتفتّح قدراته وطاقاته وسموّه ، بل العلم الذي يحمل هذه الخصيصة والميزة هو العلم الذي يدور في إطار خاص ويخضع لشرائط معيّنة ، وانّ ما قد يقال من «انّ معرفة كلّ شيء خير من عدم معرفته» غير صحيح ولا يبتني على أساس محكم ، بل قد يكون في بعض الأحيان ذلك العلم ـ الذي لا يخضع لأُسس خاصّة وحسابات دقيقة ـ كالسيف القاطع بيد إنسان متوحّش.
إنّ العلوم التي تأخذ بيد الإنسان نحو الكمال والرقي هي العلوم التي تحمل صبغة إلهية ورائحة دينية ، التي تصنع من الإنسان موجوداً إلهياً يشعر بالرقابة الإلهية في كلّ حركاته وسكناته ولا يعمل إلّا ما يرضي الله سبحانه ويسخّر علمه وقدراته في هذا الطريق.
يقول القرآن الكريم في حقّ إبراهيم عليهالسلام :
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ). (١)
إنّ أسباب الرشد أو نفس الرشد هو في الحقيقة عين العلم والمعرفة بنظام العالم وأسراره ثمّ الانتقال إلى عالم الملكوت وعالم الغيب ، وهذه الحالة من السمو والرقي التي تحصل من ذلك العلم تبين انّ ذلك العلم والمنهج الفكري الذي اعتمده الإنسان هو العلم الباعث على الكمال والرقي. ثمّ إنّ العلم الذي يجعل الإنسان يسير في إطار معرفة ذات الله وصفاته وأوامره ونواهيه ومعرفة الطبيعة وأسرارها ، إحدى شروطه هو أن يكون عاملاً في عروج الإنسان إلى عالم الملكوت
__________________
(١). الأنبياء : ٥١.