الكمال ، وأساساً إذا قلنا : توجد بين تعلّق النفس بالبدن وبين حكمة الحق تعالى منافاة ، فإنّ هذا يستلزم أن يكون المعاد بصورة مطلقة روحانياً ، أو على أقلّ تقدير يكون معاد طائفة من الكمّل روحانياً ، وهذا مخالف لصريح النصوص الدينية ، فإذاً لا بدّ من توجيه آخر لإبطال الفرض الثاني ، وهذا التوجيه هو : انّ التسليم بالفرض الثاني يتنافى تماماً مع الأدلّة القطعية التي تثبت حتمية المعاد والحشر ، وتعدّ ذلك من الأُمور الضرورية ، فإذا سلّمنا بتلك الأدلّة القطعية ، فلا يبقى مجال حينئذٍ لقبول هذا الفرض الذي يرى أنّ النفس المستنسخة تتعلّق بالبدن بصورة دائمة ومستمرة.
٣. التناسخ النزولي والتبعية الدائمة
قد بيّنا أنّه ووفقاً لنظرية التناسخ النزولي تكون النفوس الكاملة ـ علماً وعملاً ـ مطلقة العنان وتلتحق بالمجردات والمفارقات ولا تعود إلى الدنيا ، والذي يرجع إلى هذه الدنيا النفوس الناقصة التي لم تنل حظاً وافراً من العلم والعمل. فترتبط بالمادة مرة أُخرى عن طريق الخلية النباتية أو الحيوانية أو النطفة الإنسانية.
ويكفي في نقد هذه النظرية النظر إلى حقيقة النفس الإنسانية التي تنفصل عن البدن ، فلا ريب أنّ هذه النفس التي رافقت البدن أربعين عاماً مثلاً قد اكتسبت كمالاً خاصاً وتحوّل الكثير من استعداداتها إلى كمالات فعلية ، ولا يشكّ أحد انّ النفس الإنسانية بعد أربعين عاماً لا يمكن قياسها بالنفس في مرحلة الطفولة ، فلو فرضنا أن عادت النفس بعد أربعين عاماً إلى الدنيا وتعلّقت ببدن الجنين ، فحينئذٍ لا تخرج النفس من أحد حالتين :
١. أن تتعلّق بذلك البدن الجديد مع المحافظة على كمالاتها وفعلياتها وتنقل