الحالة الثانية (حال الانتقال) فيلزم في هذه الحالة قيام العرض بلا موضوع ، وهو من الأُمور المستحيلة ، وفي الحقيقة أنّ الاعتقاد بهذه الاستقلالية جمع بين النقيضين ، لأنّ وجوب القيام بالغير والاستقلال هو عين الجمع بين النقيضين.
وأمّا الفرض الثاني وهو : تعلّق النفس التي لها حظ من التجرّد بالبدن استمراراً ، وهذا الفرض يستلزم أن لا يصل الموجود الذي يمتلك اللياقة والاستعداد للتكامل والتعالي إلى مراده ومطلوبه أبداً ، وأنّه يعيش دائماً حالة المحدودية ، وذلك لأنّ التعلّق الدائم بالمادة يقتضي المحدودية ، لأنّ النفس مجردة ذاتاً ومادية فعلاً. فلو كان تعلّقها بالمادة دائمياً يلزم أن يكون فعله سبحانه على خلاف عنايته من إيصال كلّ موجود إلى كماله والواقع انّ المقصود من كمال الممكن هو كماله العلمي والعملي ، فإذا كان الإنسان يعيش متنقلاً من بدن إلى بدن آخر بصورة مستمرة ودائمة ، فمن المستحيل من الجهة العلمية أو العملية وانعكاس الحقائق على النفس وتنزيه النفس من الرذائل وتزينها بالفضائل ، أن يصل إلى حدّ الكمال.
وبالطبع أنّ النفس في عالم الإمكان تطوي المراحل العقلية الأربعة من الهيولة إلى العقل بالملكة ثمّ إلى العقل بالفعل ثمّ تصل إلى العقل المستفاد ، ولكنّها لو حصلت على التجرد التام واستقلت عن البدن بالكامل فلا شكّ انّها من ناحية الوجهة المعرفية والإدراكية للحقائق تكون أكمل ، ومن هنا حبس النفس في البدن المادي بصورة دائمة على خلاف عناية الحق تعالى ولا ينسجم مع تلك العناية. (١)
والنكتة الجديرة هنا هي : انّ إبطال الشق الثاني بالنحو الذي بيّن ، غير صحيح ، وذلك لأنّ تعلّق النفس بالبدن لا يكون مانعاً عن سيرها وصعودها نحو
__________________
(١). شرح حكمة الإشراق : ٤٧٦ ، الأسفار : ٩ / ٧.