يؤكّدون أنّ العمل وفقاً لما يستحسنه العقل والاجتناب عن كلّ ما يراه العقل قبيحاً ، يُعدّ من الأُصول الكلّية الواسعة التي لا تختص بالإنسان ، وانّ العقل يرى أنّ العمل «الحسن» والجميل وفي جميع الأحوال وتحت كافة الشرائط ومن أيّ فاعل مريد ومختار صدر فهو حسن وجميل ، والقبيح على العكس من ذلك حيث يرون أنّ ذلك العمل قبيح ولا يفرّقون في هذا الحكم (بحكم كلّية الموضوع) بين كون الفاعل ممكناً «الإنسان» أو كونه واجباً «الله».
وممّا لا ريب فيه أنّه لو أطاع الله جميع العباد وتحوّلوا إلى أُناس محسنين وخيّرين وصالحين ، فلا يستلزم ذلك أبداً وجوب إثابتهم من قبله سبحانه ، وذلك لأنّهم مهما عملوا وأطاعوا وأحسنوا في حياتهم فإنّما ينطلقون في كلّ ذلك من القدرات والإمكانات التي منحها الله لهم ووهبها إليهم ، إذ انّ جميع حركاتهم وسكناتهم وجهودهم البدنية منها والفكرية كلّها وليدة الثروة الإلهية ، وهذه النقطة ممّا لا يرتاب فيها أحدٌ أدنى ارتياب. أضف إلى ذلك أنّنا لو أحصينا النعم الإلهية التي وهبها الله لعباده ومدى سعتها وكثرتها ـ إلى الدرجة التي يصرّح القرآن الكريم بأنّها تستعصي على العدّ والحصر ـ فحينئذٍ لا يبقى مجال لاستحقاق الثواب الأُخروي ، وإذا ما رأينا الله سبحانه وتعالى قد وعد هؤلاء بالثواب فإنّما ذلك من باب الإحسان والكرم واللطف الإلهي لا غير ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في هذا الصدد : «ولكنّه سبحانه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه ، وتوسّعاً بما هو من المزيد أهله». (١)
في مقابل ذلك لو كان جميع العباد عاصين ومخطئين ومنحرفين ومذنبين لما وجب على الله تعالى عقابهم وعذابهم يوم القيامة ، وذلك لأنّ العقاب والمؤاخذة
__________________
(١). نهج البلاغة ، الخطبة ٢١٦ ، مراجعة صبحي الصالح.