النفس ورسخت فيها وانتقلت معها إلى الدار الآخرة صارت كأنّها لزمتها ولزمت لها الآثار والأفعال الناشئة منها بصورة تناسبها في عالم الآخرة والأفعال والآثار التي كانت تلك الصفات مصادر لها في الدنيا ، وربّما تخلّفت عنها لأجل العوائق والصوارف الجسمانية الاتّفاقية ، لأنّ الدنيا دار تعارض الأضداد وتزاحم المتمانعات بخلاف الآخرة لكونها دار الجمع والاتّفاق لا تزاحم ولا تضاد فيها ، والأسباب هناك أسباب وعلل ذاتية كالفواعل والغايات الذاتية دون العرضية ، فكلّما يصلح أثر الصفة النفسانية لم يتخلّف عنها هناك كما يتخلّف عنها هاهنا لمصادفة مانع له ومعاوقة صارف عنه ، إذ لا سلطنة هناك للعلل العرضية والأسباب الاتّفاقية ومبادئ الشرور ، بل الملك لله الواحد القهّار. (١)
٢. وأمّا العارف الإسلامي الكبير الشيخ البهائي فقد قال في هذا الصدد : لقد جاءت مسألة نظرية تجسّم الأعمال في الكثير من الروايات الخاصّة والعامّة ، وبعد أن نقل رواية «قيس بن عاصم» قال :
إنّ الحيّات والعقارب ، بل والنيران التي تظهر في القبر والقيامة ، هي بعينها الأعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وتجلببت بهذه الجلابيب ، كما أنّ الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزي وتسمّت بهذا الاسم ، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن ، فتحلّى في كلّ موطن بحلية ، وتزيّى في كلّ نشأة بزيّ ، وقالوا : إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٢) ليس
__________________
(١). المبدأ والمعاد : ٣٤١ ـ ٣٤٢.
(٢). العنكبوت : ٥٤.