فإن قلت : إنّ القاطع قاطع بالحكم على وجه الفعليّة وليس قابلا للحمل على الشأنيّة.
قلت : إنّا نفرض مثل ذلك في الظّن أيضا بأن يكون ظانّا بأصل حكم لا تشرب وقاطعا بأنّه على تقدير تحقّقه فعلي ، فالأمر دائر بين أن لا يكون حكم أصلا على وهم ، وأن يكون وكان فعليّا ووجوده شأنيّا مقطوع العدم ، ففي هذا الفرض أيضا لا يمكن الجمع بين الواقع المظنون وبين المنع.
وبالجملة فهذا فرق راجع إلى حيث المتعلّق ؛ فإنّه مختلف بحسب المقامات لا أنّه راجع إلى حيث الظن والقطع.
فالمتعلّق سواء كان مقطوعا أم مظنونا على قسمين ؛ إمّا قابل للحمل على الشأنيّة وهذا في صورة قطع أو ظنّ بوجود لا تشرب واقعا ، وظاهره وإن كان كونه فعليّا لكن يحتمل كونه شأنيّا ، ففي هذه الصورة إذا ورد المنع سواء عن العمل بالقطع أم عن العمل بالظن يتعيّن حمل لا تشرب المقطوع أو المظنون على خلاف ظاهره من الشأنيّة وحمل هذا المنع على الفعليّة للجمع.
وإمّا ليس قابلا إلّا للحمل على الفعليّة وهذا في صورة قطع أو ظنّ بوجود لا تشرب وقطع بأنّه حكم فعلي ، فلا يمكن الجمع بين هذا الحكم المقطوع أو المظنون وبين المنع ؛ لعدم إمكان جعل الحكمين في موضوع واحد في مرتبة واحدة.
وإمّا يبني (١) على أنّه ليس للأحكام إلّا مرتبة واحدة مثل الإرادة الفاعليّة ؛ فإنّها إمّا موجودة فعلا وإمّا معدومة ، ولكن رتبة الحكم متفاوتة ، يعني أنّ الحكم الواقعي متعلّق بنفس الواقع ، والظاهري متعلّق بالشكّ في الحكم الواقعي أو الظنّ به والشكّ والظنّ متأخّران رتبة عن نفس الحكم.
فكذلك نقول في القطع أيضا ؛ فإنّ العلم بالحكم الواقعي أيضا متأخّر عنه ، فالحكم الواقعي متعلّق بنفس المتعلّق مع قطع النظر عن العلم ، فالعلم بنفس هذا
__________________
(١) أي يبنى المجيب