فإنّك ما جعلت في حقّنا أوامر على طبق المصالح ونواهي في موارد المفاسد حتى نرتدع عنها ونتحرّك إلى المصالح ، وكذلك مع عدم الثاني ، فإنّه مع الجعل وعدم من يبعث ويزجر ويبلغ الأحكام إلى العباد لا يحصل المقصود ، وأمّا بعد جعل الأحكام ونصب الإمام فرفع المانع الذي تحقّق من عصيان العصاة فليس واجبا في مقام اللطف ، فإنّ الدار دار التكليف وجعل العباد في معرض الإطاعة والعصيان ، فالمنع التكويني عن عصيان العصاة خلاف هذا الشأن.
وبالجملة ، إبقاء المانع المستند إلى عصيان العصاة بحاله وعدم رفعه تكوينا لا يقدح في تماميّة اللطف من الله تعالى ، وعلى هذا فكلّ ما كان من تبعة هذا من الحرمان عن فيوضات وجود الإمام عليهالسلام التي منها خفاء الحكم الواقعي في الواقعة الجزئيّة ليس مخالفا للطف ، مع أنّه من الممكن أن يكون اللطف في الإخفاء كما في غالب الأحكام في صدر الاسلام.
فإن قلت : فعلى هذا فالبرهان الذي أقمت على إمضاء الشارع للطريقة الارتكازيّة المغفول عنها للعامّة يمكن الخدشة فيه بمثل هذا البيان.
فإنّه يقال : إنّما عليهم في اللطف الواجب عليهم (ع) بيان الأحكام ، فلعلّه قد بيّنوا أيضا في هذه القضيّة ، ثمّ عرض اختفائه من جهة الموانع الخارجيّة ، وليس ابقاؤهم هذه الطريقة بحالها وعدم الردع عنها مع كونها غير مرضيّ لهم نقضا لغرضهم ، فإنّ الفرض كون غرضهم إتمام الحجّة والفرض إمكان حصوله.
قلت : نعم ، ولكن نحتاج في ذلك الباب إلى مقدّمة اخرى وهي كون القضيّة محلا لابتلاء العامّة في جميع الأعصار بلا استثناء ، مثل الصلوات اليوميّة والطهارة والنجاسة ومسألة حجيّة الظواهر ؛ فإنّ مثل هذا الأمر لا محالة كان بمرأى ومسمع من الصادقين وسائر الأئمّة عليهمالسلام مع ما رأوا من ابتلاء الناس في يومهم وليلتهم ، ففي مثل هذه القضيّة عدم ورود التخطئة وعدم وصوله إلينا موجب للقطع بعدم صدوره عنهم ، لكون القضيّة ممّا يتوفّر الدواعي على النقل فيها ، فلو كان لبان.
ثمّ بعد هذا نقول : لا يخلو الأمر إمّا أنّ هذا الأمر الارتكازي كان مرضيّا لهم