أولا ، فعلى الأوّل يثبت المطلوب ، وعلى الثاني يلزم خلاف اللطف ـ العياذ بالله ـ وهذا بخلاف الحال في مقامنا ؛ فإنّه يمكن عدم ورود الحكم فيه من الأئمّة عليهمالسلام ، لعدم كونه محلّ ابتلاء الناس ، واستمرّ ذلك إلى زمان من أوان الغيبة فاتّفق علمائها في عصر من باب القاعدة على رأي واحد. فتحصّل أنّ تماميّة هذا القسم من الاجماع مخدوشة صغرى وكبرى ، فتعيّن في الوجه الأخير.
إذا عرفت هذا فنقول : لو نقل الإجماع ناقل فحجيّة هذا النقل على الوجه الأخير مبنيّة على تماميّة دلالة ما يدّل على حجيّة خبر الواحد وشمولها لنقل الثقة ، وكون مفادها حجيّة الأعمّ من النقل الذي يدركه الحسّ والذي يدركه الحدس.
ثمّ على تقدير عموم هذه الأدلّة لا بدّ من عدم العلم بابتناء حدس الناقل على مقدّمة اجتهاديّة باطلة ، فإنّه حاك لرأي الإمام بأقوال العلماء ، وحدسه الناشي من تلك الأقوال على الوجه الباطل ، كحسن الظنّ بجماعة لا ينبغي حسن الظنّ بهم في هذا المقام ، نعم لو اشتبه الحال ولم يعلم أنّ حدسه على وجه باطل أو صحيح فمفاد الأدلّة حجيّته ، سواء كان المقدار من الأقوال التي حصلها وصارت منشئا لحدسه موجبة لحدس المنقول إليه أيضا لو حصلها ، أو لم يحصل منها الحدس عنده.
وأمّا على تقدير عدم العموم لتلك الأدلّة وعدم شمولها إلّا للنقل الذي يدركه الحس فالمقدار الذي نقل عن حسّ في نقل الإجماع هو نقل أقوال عدّة من العلماء ، وأمّا حدسه فهو اجتهاده ، فليس لنقله حجيّة من جهة حدسه ، وكذلك من جهة قول الإمام ؛ لأنّها مستندة إلى حدسه ، فيكون بالنسبة إلى الأمر الحسّي أعني تتبّع أقوال العلماء نقله حجّة ، فنأخذ به ونجعل هذا المقدار من الأقوال كالمحصّل ونعامل معاملة المحصل.
مثلا لو نقل الشيخ الإجماع وقال : أجمعت العلماء ، فنعلم أنّه تتبّع أقوال خمسين نفرا من علماء عصره لا محالة ، وهذا مقدار متيقّن ، والزيادة محتملة ، فنفرض أنّ أقوال الخمسين محصّلة لنا ؛ فإن كان بنفسه موجبا للحدس عندنا فهو ، وإلّا فنضمّه إلى أمارات أخر وأقوال سائر العلماء حتى يحصل السبب التام للحدس.