والحاصل أنّ نقل الإجماع بحسب ما ذكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن يعدّ الناقل المفتين ويصرّح بأسمائهم في كلامه وكان المنقول إليه بحيث لو حصّل بطريق الحسّ فتاوى هؤلاء المعدودين لقطع بالملازمة بحكم الله ورأي الإمام.
والثاني : أن لا يكون عنده ملازمة بينهما ، وعلى هذا أيضا قد يكون ما نقله من الفتاوى بمقدار يحصل للمنقول إليه العلم بضميمة الأمارات الموجودة عنده وقد لا يكون كذلك.
والثالث : أن يشكّ في أنّ هذا الإجماع من الأوّل أو الثاني ، وعلى تقدير كونه من الثاني من أيّ من قسميه ، بأن ينقل الإجماع بدون تصريح بأسماء المجمعين وتعيين لعددهم ، فيحتمل أن يكون متتبّعا لأقوال عدد يوجب القطع للمنقول إليه ويحتمل عدمه ، وهو الغالب في الإجماعات المنقولة التي بأيدينا.
فنقول : لا إشكال في الأوّل بمعنى حجيّة نقل الإجماع كاشفا ومنكشفا ، أمّا الأوّل وهو إخباره بفتاوى عدّة من العلماء معلوم العدد فواضح أنّه إخبار عن الحسّ ، فيكون كما لو حصّل المنقول إليه هذه الأقوال بنفسه ، وحيث يثبت في الأمارات اللوازم الثابتة للمؤدّى أيضا بخلاف الاصول ، والمفروض ثبوت الملازمة بين المؤدّى هنا وهو فتاوى هؤلاء الخاصّة ، وبين رأي الإمام ، فبعد ثبوت الملزوم بخبر الثقة يحكم بثبوت ما هو لازمه لو حصّله بنفسه وهو رأي الإمام.
مثلا لو قطع أحد بثبوت الملازمة الاتفاقيّة بين عدالة عمرو وفسق بكر ، فأخبر البنيّة بعدالة عمرو فيكون حجّة له بالنسبة إلى فسق بكر أيضا ، وأمّا الثاني وهو جهة حكايته عن رأي الإمام بالالتزام فلأنّه نقل عن حدس مبناه الحس ، وأدلّة حجيّة خبر الثقة يشمل مثل هذا أيضا.
ألا ترى قبول الشهادة بالعدالة مع أنّها ملكة باطنيّة وليست قابلة للحسّ ، ولكنّها يستكشف بالحدس من احساس آثارها ، فيعلم أنّ الحدس القريب بالحسّ أيضا بمنزلة الحسّ في باب حجيّة الخبر.