كان الإنذار مفيدا للعلم أم لا ، وليس كذلك ، فليست الآية إلّا بصدد أصل مطلوبيّة النفر والتفقّه والإنذار والحذر عقيبه ، أمّا أنّ مطلوبيّة الحذر تكون مطلقة أو مشروطة بحصول العلم فالآية ساكتة عن هذه الجهة.
وبالجملة الآية متعرّضة لتكليف النافرين وفي مقام تحريصهم على النفر والتفقّه ، وذكر الحذر من المتخلّفين يكون على سبيل الفائدة ، فتكون من جهته في مقام الإهمال.
فحينئذ من الممكن أن يكون وجوب الحذر مخصوصا بما إذا حصل العلم بصدق الإنذار ، لصدوره من طائفة وجماعة واحدا بعد واحد ، بل ربّما يستظهر ذلك من كلمة «لعلّ» ومن استدلال الإمام عليهالسلام بهذه الآية لوجوب النفر لمعرفة الإمام ؛ إذ يعلم منه أنّ الآية إمّا مخصوصة بالاصول أو عامّة لها وللفروع ، ومن المعلوم أنّ الإنذار في الاصول يجب قبوله لو أفاد العلم لا غير.
والثانية : أنّ النفر وجب لأجل تفقّه المسائل التي هي من الدين واقعا ، والإنذار بهذه المسائل أيضا واجب ، فالحذر إنّما يجب عقيب الإنذار بالامور التي تكون من الدين واقعا ، وهذا لا يصير منجّزا إلّا بعد إحراز كون إنذار المنذر إنّما تعلّق بالأمر الواقعي ، وهو لا يتحقّق إلّا مع العلم بصدقه ، وأمّا لو لم يعلم أنّه أنذر بالواقع أو لا فلا يجب الحذر ، والحاصل أنّه لا يستفاد من الآية حكم تعبّدي بلزوم قبول إخبار المنذر وإن لم يفد العلم.
فإن قلت : إنّ ما ذكرت من عدم كون الآية بصدد إيجاب تصديق المنذر وقبول قوله تعبّدا ، وعدم استفادة التعبّد منها أصلا ينافيه إيجاب جميع أفراد الإنذار ما أفاد منها العلم وما لم يفد ؛ إذ الطائفة الغير المفيدة للعلم يكون إيجابها على هذا لغوا ، لعدم إيجاب قبوله.
قلت : لو كان بين هاتين الطائفتين مميّز خارجي أو أمكن التقييد في الكلام بقيد يساوق الأفراد المفيدة للعلم كان ما ذكرته حقّا ، ولكن ليس تلك الأفراد متمايزة